دقّت ساعة الحقيقة، فغداً يتّضح مصير قانون الانتخاب، بل مصير الاستحقاق النيابي برمَّته، ويمضي كلّ فريق إلى غايته، عائداً من «الحرب» التي دارت رحاها حول هذا القانون «من سنين وسنين»، ليعكفَ على التحضير لخوض العملية الانتخابية وإجراء حسابات افتراضية حول نتائجها المتوقّعة.
أنْ يُعلن الرئيس سعد الحريري، مساء أمس، أنّه «سيكون لنا قانون انتخاب جديد الاربعاء (غداً)»، وأنه لا يترشح لانتخابات تجرى على اساس قانون الستين، فذلك يعني، او يؤكد، انّ مجلس الوزراء سيقرّ في جلسته المقرّرة غداً قانون الـ15 دائرة على اساس النظام النسبي الذي لم ينتهِ البحث فيه فصولاً بعد، وقد يستمر هذا البحث حتى ربع الساعة الأخير من موعد الجلسة.
لكن كلام الحريري، على جدّيته وأهميته، معطوفاً على كلام مماثل لآخرين من مسؤولين وقيادات سياسية منادٍ بإقرار قانون انتخابي جديد، يلاقي تفسيرات معاكسة في أوساط سياسية ما تزال قلِقة على مصير الاستحقاق النيابي، إذ إنّ بعض هذه الاوساط يدرج هذا الكلام في سياق رغبة اصحابه القول: «اللهمّ اشهد إنّي بلّغت»، وانّهم يؤيدون إقرار القانون الجديد وأنّ المشكلة في موقف غيرهم.
بل إنّ بعض هذه الاوساط يقول انّ بعض المنادين بقانون الانتخاب الجديد يضمرون رغبةً بالأبقاء على القانون النافذ، ولكنّهم يرفعون شعار القانون الجديد بغية رفعِ التهمةِ عنهم بـ«الحنين» الى قانون الستين، حتى إذا فشلت المحاولات لإنتاج القانون الجديد لا يسجّل أحد عليهم ايَّ مأخذ او اتّهام بتعطيل الاتفاق قانون جديد بغية العودة الى قانون الستين كونه القانون النافذ والذي لا يمكن إلغاؤه إلّا بقانون بديل.
غير انّ كلام الحريري والآخرين المنادي بالقانون الجديد لا يلغي حقيقة انّ إنجاز هذا القانون ما تزال دونه عقبات وتفاصيل كثيرة يَكمن فيها اكثر من «إبليس»، بل «أبالسة» من البشر يريدون منع الاتفاق عليه لمصلحة قانون الستين، الى درجة انّ كثيرين، حتى من المسؤولين، يستاؤون ممّا يستمعون اليه من خبراء يشرَحون لهم التفاصيل حول ما يفترض بالمرشح ان يناله من اصوات طائفية او غير طائفية لكي يفوز، وكيف يمكن احتساب النتائج و«الصوت التفضيلي» و«الحاصل الانتخابي» و«عتبة التأهيل» وغيرها من التعابير والمصطلحات المعتمدة للقانون النسبي بدوائره الخمس عشرة، الى درجة انّ بعضهم علّق على هذا التفاصيل قائلاً لشارحيها «خلّينا بقانون الستين وبلا هالشربكات…»
ويقول معنيون بالاستحقاق النيابي أنْ ليس المهم ما قيل ويقال في الشأن الانتخابي قبل جلسة مجلس الوزراء المقررة غداً، وإنّما المهم هو الموقف او القرار الذي سيصدر عنها، أيكون إقرار القانون المطروح؟ ام إخفاق في الاتفاق عليه والذهاب الى خيار العودة الى القانون النافذ من خلال إحداث الفراغ النيابي او من دونه؟
احد المراجع السياسية يقول في هذا السياق مجيباً على هذه الاسئلة، «إنّ على مجلس الوزراء ان يقرّ القانون النسبي المطروح بعد التوافق على كلّ تفاصيله حتى يتسنّى لمجلس النواب إقراره في جلسته المقررة الجمعة، امّا إذا فشل، أي مجلس الوزراء، في إقراره فعليه عندئذ ان يتّخذ الإجراءات اللازمة في شأن قانون الستين من مهَل وغيرها لإجراء الانتخابات على اساسه كونه القانون النافذ».
لكن ثمّة مَن يرى انّه في إمكان مجلس النواب ان يبادر في حال فشل الحكومة في الاتفاق على القانون النسبي، الى إقرار مِثل هذا القانون بموجب اقتراح معجّل مكرّر يتقدّم به احد النواب خلال الجلسة النيابية، وذلك شريطة أن يتوافر لهذه الجلسة نصابُها القانوني وهو الاكثرية المطلقة أي 65 نائباً.
على انّ المؤشرات الى مآلِ مصير الاستحقاق النيابي قانوناً وانتخاباً ستَظهر خلال الساعات المقبلة الفاصلة عن جلسة مجلس الوزراء التي يفترض ان يسبقها نجاح اللقاءات الجارية في «بيت الوسط» وغيره وعلى مستويات متعدّدة في حسمِ كلّ التفاصيل الخلافية اذا كانت النيّات جدّية في اعتماد قانون الـ15 دائرة النسبي، وذلك بعدما شهدت الساعات الاخيرة تجدّدَ الخلاف على هذه التفاصيل التي كان قيل انّها عولجَت في غالبيتها، ولم يبقَ منها إلّا ما هو متعلق بتمثيل المغتربين بستة نواب، أيتمّ بتخصيصهم من ضمن عددِ أعضاء المجلس الحالي البالغ 128 نائبا؟ أم يُزادون اليه ليصبح 134 نائبا؟
الاقتطاع من العدد الحالي غير وارد لدى غالبية الافرقاء، الى درجة انّ احد المراجع يقول «انّ هذا العدد ارتؤيَ اعتمادُه بعد «اتفاق الطائف» لتحقيق مزيد من المشاركة ومن العدالة في تمثيل مختلف المكوّنات السياسية والطائفية في مجلس النواب، وإذا كان المراد الآن تمثيل المغتربين فذلك أمرٌ مرحّب به، ويمكن تمثيلهم بـ 128 نائباً ايضاً إذا ثبتَت صحة ما يقول البعض من انّ عددهم يوازي عدد اللبنانيين المقيمين او اكثر. فالمغتربون اللبنانيون والمتحدّرون من اصل لبناني هم بالملايين في دنيا الاغتراب لكن عدد المسجّلين منهم ضئيل جدا، ويا ليت يكون كبيرا».
ويؤكّد معنيون بقانون الانتخاب انّ ما أعاقَ إنجازه حتى الآن هو انّ بعض الافرقاء علّقوا به كثيراً من الاستحقاقات التي ما زال أوانها بعيداً، ولعلّ ابرزها الاستحقاق الرئاسي في مرحلة ما بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، حيث انّ هذا البعض دفعَ ويدفع في اتجاه ان يمكّنه القانون من نيلِ اكثرية نيابية مرموقة تمكّنه بدورها لاحقاً من تولّي السلطة وبالتالي التحكّم بمصير الاستحقاق الرئاسي اللاحق، ولكن هذا البعض يتناسى أوّلاً انّ قانون الانتخاب لا يقرّ إلّا بالتوافق، وأنّ السلطة لا تكون الّا بالتوافق، وأنّ انتخاب رئيس الجمهورية المقبل لا يكون إلّا بالتوافق، والسوابق في هذا المجال ماثلة
وآخرُها انتخاب عون الذي ما كان ليتمّ لولا التوافق عليه بعد خلاف طويل، فعلامَ يستعجل هذا البعض «رزقه» قبل أوانه إذا جاز التعبير ؟!
لذا، أيكون غداً يوم الحسم، أم يوم الحشر في الاستحقاق النيابي؟
تلك هي المسألة….