«إسمي بيروت، me llamo Beirut»، بالعربيّة والإسبانية رفعَت لافتتها، تيمّناً بأسماء شخصيّات مسلسل «نتفليكس» الإسباني الشهير «بيت الورق» (La Casa De Papel). المسلسل «الثوري» ضد سلطة المصارف، والقائم على عمليّة سطو دار سكّ العملة، حضر تأثيره «بقوّة» في صفوف المحتجّين في ساحة رياض الصلح. قناع شخصيّات المسلسل (وجه دالي) انتشر بين عدد من المتظاهرين، وزيّهم الأحمر. «المشكلة في المصرف المركزي، وباقي البنوك» يقول أحدهم، فيما يبقى البحث جارياً عن شخصيّة «البروفيسور»، أو القيادة الفعليّة للتحرّك العفوي. تأثير الأفلام والمسلسلات انسحب أيضاً على كاراكتير «الجوكر»، إذ تلوّنت وجوه بعض المحتجّين كوجه «المهرّج»… والسبب «مدينتنا خربانة مثل مدينته» يقول أحدهم.
جاء من حي اللجى، ترك والدته مستغرقة في الكوما التي ألمّت بها قبل أشهر. حمل همّ تأمين علاجها الشهري والأدوية الباهظة، ونزل يطالب بضمان اجتماعي ونظام استشفائي عادل. «لم أنتخب أحداً لأن أولادهم يعيشون في العز ونحن تحت خط الفقر… بدنا دولة»، هذا مطلبه. إلى جانبه، يجلس شاب عشريني مثله، لم يشارك المتظاهرين الحلوى التي وزّعوها في ما بينهم، لأن والده توفّي بمرض السكّري. هذا قدر الفقراء الذين ينتهون بلا علاج أو رعاية… «مات وارتاح» يقولها بقهر، «مطلبي أن نعيش بكرامة».
«الوضع تفاقم إلى حدّ الاستفزاز… أريد عملاً لائقاً»، هذا مطلب الوحيد للارا، ابنة كورنيش المزرعة. «وي وونت شيينج» (نريد التغيير) تصرخ بالإنكليزية، وتضيف المتظاهرة الآتية من البقاع «بدنا حقوقنا، الناس المغسول دماغها فلتنتفض معنا». انتظار هذه اللحظة، والحماسة إلى التعبير عن الغضب، هما أبرز ما ميّز الشباب المنضوين في التحرّك. «صرلي زمان ناطرة هالفرصة لنرجع للشارع» تقول ابنة بيروت. المتظاهرون ممن سبق وشاركوا في تظاهرات 2015، كانوا الأكثر دراية بلعبة الشارع، والمواجهة مع القوى الأمنيّة، والشعارات المستعادة إضافة إلى نقمة واضحة على الوضع الاقتصادي وسلطة المصارف وحاكم مصرف لبنان. «رياض سلامة حرامي»، ذكرت إحدى اللافتات. «المخضرمون» كتبوا على أيدي باقي المتظاهرين أرقام المحامين في حال تمّ اعتقالهم. «الأمور تراكمت، من ارتفاع الدولار إلى أزمة الخبز، وأخيراً دقّوا بالواتسآب التطبيق المجّاني… طفح الكيل!»، يقول سليم الآتي من المنصورية (المتن).
حرائق بداية الأسبوع، وأزمة الدولة في مواجهتها، حضرتا مع القادمين من الشوف وإقليم الخرّوب. «خلّصنا الحريق، وجينا نحرق هون»، يقول الياس ابن الدبيّة التي طاولتها الحرائق. ابن الليلكي نال نصيبه من هراوات القوى الأمنيّة ليل الخميس- الجمعة، وعاد أمس مطالباً بـ«إسقاط الحكومة والعيش متل الخلق». من الدكوانة جاء بعائلته وأطفاله، مثل عائلات عديدة شاركت في الاحتجاج، «بدنا ناكل ونشرب وندفع فواتيرنا مش أكتر».
المغتربون ممن صودف وجودهم في البلد حضروا أيضاً، أحدهم (29 عاماً)، يقول: «أنا من سكّان البربير وأعمل في الكويت، أشارك في التظاهرات علّنا نصلح البلد لنعود للعمل فيه». غضب الشباب عبّروا عنه بما تيسّر من شتائم ردّدوها «ملحّنةً» تستهدف معظم السياسيين، بلا استثناءات. لقد انكسر المحظور! إحدى المتظاهرات تبوح بالعبء الذي تنوء تحته: «مكسورة على 5 آلاف دولار من قسط الجامعة».
تصاريح السياسيين من بعبدا وبيت الوسط، وصلت إلى المتظاهرين عبر هواتفهم المحمولة، وردّوا عليها بكيل الشتائم. دقيقة صمت وقف المتظاهرون عن روح العاملين اللذين قضيا اختناقاً في حريق أحد الأبنية في وسط البلد أول من أمس. جئت «احتجاجاً على الغلاء والضرائب وكرمال أولادي الأربعة»، تقول سوزان التي نزلت من عرمون رغم قطع الطرقات. من مرجعيون، حضرت مجموعة من الشباب، «لأن ما بدنا نسافر إلى أفريقيا، بدنا يرجع الإسكان». من طريق الجديدة، جاء والد ينتظر ابنه البكر «ما بدي يدفع مثلي مئة فاتورة». سجى (26 عاماً) جاءت من الأوزاعي، لأنّها «بلا عمل ثابت». علي (21 عاماً) جاء من صور «انضممت إلى محتجّي العاصمة للمطالبة بأقل حقوقي». ابن البسطة الفوقا يجزم «أننا في دولة حراميّة ومن حرّضنا للنزول ليس الواتسآب بل من سبقونا إلى الساحة». الأزمات المتتاليّة كانت محرّضاً بارزاً لابن برج أبي حيدر (20 عاماً)، «ساعة ما في خبز، ساعة ما في بنزين، خلص!».
السرعة حكمت التحرّك فكانت اللافتات معدودة، وأبرزها: «من أين لك هذا؟ لا للسرّية المصرفيّة للمسؤولين»، «ثورة»، «الضرائب تصاعديّة أو لن تكون أبداً، عدالة اجتماعيّة». فرحات جاء من بلدة العين (قضاء الهرمل)، يشير إلى فيديو عبر هاتفه، ويقول بفخر: «شوفوا أهل ضيعتي!». «من حيفا لبيروت» عبارة منقوشة على أقراط شابة فلسطينيّة، من مخيّم البرج الشمالي (صور)، سنحت لها الفرصة هذه المرة، «من خارج المخيم»، للتعبير عن رفضها «للإجراءات التي تطاول الفلسطينيين وإجازات العمل».
من ملف : «أقاتل كي أعيش»