نجح الثوار في كسر قرار السلطة المصرّة على تجاوز مطالبهم الواضحة. فتمكنوا وللمرة الثانية من منع انعقاد جلسة مجلس النواب التي دعا إليها رئيسه نبيه بري. إذ يرفض الثوار تجاوز مطلبهم بالبدء بالاستشارات النيابية لتكليف شخصية من خارج السلطة بتشكيل حكومة إنقاذ تنتشل البلد من الإنهيار.
سبق الثوّار النواب إلى محيط المجلس النيابي لمنعهم من الوصول إليه وعقد جلستين، الأولى لإنتخاب اللجان النيابية، والثانية لتشريع قوانين يدّعي النواب أنها لمكافحة الفساد، بينما تبدو قوانين على قياسهم، إضافة إلى طرح مشروع العفو العام.
وعلى الرغم من تحوّل محيط المجلس إلى ثكنة كبيرة مليئة بالآليات العسكرية والعناصر الأمنية، والتهويل بيوم عنفٍ، نزل الثوار بكثافة إلى الشارع، غير آبهين بالتهديدات وبالاحتمالات. فتمكنوا من إغلاق كل مداخل المجلس وفرض إرادتهم. وتواصل هؤلاء في ما بينهم عبر مجموعات الواتساب، فأبلغوا بسرعة عن الانتهاكات التي تعرضوا لها. وكانت أبرزها إطلاق موكب أحد السياسيين النار ومحاولة دهس متظاهرين، وأصيب أحدهم بجروح. وحاول المتظاهرون كشف هوية صاحب الموكب قبل أن تكشف معلومات بأنه موكب وزير المال علي حسن خليل. كذلك رصد الثوار مواكب النواب وطاردوهم، فلم يتمكن من الوصول إلى المجلس سوى عدد قليل منهم بعد معاناة وبلبلة وإذلال. وفور الإعلان عن تأجيل الجلسة، تحت ضغط الشارع، تحوّلت الساحات الى ساحات احتفال وعلا الهتاف «أجلوا الجلسة، أجلوا الجلسة».
استباقاً للجلسة، أمضى بعض الثوار الليل بهدوء في الساحات بانتظار طلوع النهار. صباحاً تحوّلت جميع الحواجز المحيطة بالمجلس إلى نقاط تجمّع للمتظاهرين الذين أغلقوها بأجسادهم. اختلف الزخم بين حاجز وآخر، وتجمّع العدد الأكبر من المتظاهرين في ساحة رياض الصلح. تمكن هؤلاء بسرعة من نزع الأشرطة الشائكة أمام العديد من الحواجز بعد ربطها بالحبال وشدّها. واجهتهم القوى الأمنية بالضرب بالهراوات قبل أن يعمل أمنيون ومواطنون على تهدئة الأجواء. بعض العناصر الأمنية كان أكثر اندفاعاً وحماساً لقمع المتظاهرين من غيره، حتى أن ضباطاً في مكافحة الشغب تدخلوا أحياناً لدفع عناصرهم إلى الوراء والطلب منهم الكف عن ضرب المتظاهرين، خشية أن يفقدوا سيطرتهم على الأمن وتتوتّر الأجواء. كذلك تمتع المتظاهرون بحكمة مكّنتهم من ضبط الأمور هم أيضاً، على الرغم من استفزاز السلطة لهم. فحتى الذين نزعوا الأسلاك الشائكة لم يرغبوا بالإشتباك مع العناصر الأمنية. ونتيجة للضرب بالهراوات أصيب وجرح عدد من المتظاهرين، ما دفع ببعضهم للهتاف «الدولة البوليسية بتحمي الحرامية».
وخلال محاولة نواب فرض جلستهم على المواطنين كأمر واقع، عمل الثوار على التدقيق في السيارات المارة للتأكد من خلوّها من أي نائب، قبل السماح لها بالمرور. فالثوار تحسبوا لمحاولة النواب العبور إلى المجلس بطرق مختلفة، ومحاولتهم الإختباء داخل سيارات الإسعاف أو غيرها للتمويه. حتى الدرّاجات النارية أصبحت موضع شبهة بعد انتشار صورة تظهر مرور النائب علي عمار على دراجة نارية. فصرخ البعض «نائب عالموتو» لدى مرور إحدى الدراجات، خشية وقوع خرق جديد لحظر مرور النواب. مطاردة النواب ومنعهم من المرور لم تنته عند إعلان تأجيل الجلسة فحصلت توترات بين المتظاهرين والقوى الأمنية بعد خروج المواكب أمام المتظاهرين ولا سيما قرب حديقة الإسكوا.
وانتهى يوم الاحتجاج الذي بدأ باكراً جداً هذه المرة، بفرحة عمت بين الثوار بعد النصر الذي حققوه. وشعر البعض بأنه تمكّن من الإنتقام من النواب وإذلالهم وهم الذين لطالما أذلوه. فبالأمس، خافت المواكب بمن فيها، من المواطنين الذين لطالما أقفلت عليهم الطرقات لتمرّ صارخة بوجوههم. لكن الجميع مدرك بأن الانتصار لن يكتمل قبل إلغاء الجلسة المقررة بالكامل، والبدء فوراً بالاستشارات النيابية لتأليف حكومة إنقاذ تضع خطة إقتصادية للخروج من الإنهيار. ليصار بعدها إلى إقرار موازنة، عندها تصبح جلسات المجلس التشريعية دستورية، وفق خبراء. فالثورة تريد انتظام عمل المؤسسات. أما النواب فما زالوا يكابرون ويقامرون ويهربون للأمام مراهنين على ملل الشارع الذي لم يكلّ منذ أكثر من 34 يوماً. بمقابل رهان السلطة، يؤكد الثوار أن ما بعد 17 تشرين الأول ليس كما قبله.
وليلاً شهدت ساحة رياض الصلح إشكالات بين متظاهرين وعناصر مكافحة الشغب، ما أدى إلى وقوع عدد من الجرحى، إصاباتهم طفيفة، فيما تمّ توقيف نحو 11 شخصاً، ولم يخلُ الحديث في الساحة عن دخول مندسّين إلى الاعتصام لتخريبه والإيقاع بين المتظاهرين وبين القوى الأمنية، خصوصاً وأن بعض الخِيم تمّ تكسيرها عمداً من مندسّين.