لا ضرورة لاجتماع مجلس النواب بصيغة هيئة عامة، أو بصيغة لجانٍ مشتركة. يكفي أن يجتمع السادة حسن نصر الله ونبيه بري وميشال عون وسعد الحريري ووليد جنبلاط وسمير جعجع، لتنتفي ضرورة الإجتماع النيابي، وبالتأكيد، للتملّص من تأليف حكومة ومناقشة بيانها الوزاري.
لم يكن النواب، الذين أنتجهم القانون الإنتخابي الأخير، أصحاب رأي أو قرار يوماً. انّهم أرقام في خانة زعيم الكتلة، لا أكثر ولا أقلّ، لأنّ القانون نفسه الذي يتمسّك به اليوم أطراف السلطة، صيغ على قياس هؤلاء الأركان، فضمنوا حصصهم قبل إجراء الإستفتاء عليها، واطمأنّوا الى إبعاد كل صوت مستقلّ، فجاء المجلس على صورتهم ومِثالهم، مُعَلَّباً، نظيفاً… لا خرق فيه ولا مزعجين.
مسيرة التعليب بدأت قبل القانون الأخير، محطّتها الأولى في زمن إتفاق الطائف كانت التعيين، وهو من أبرز خطوات المخابرات السورية في تطويع العمل النيابي. ثمّ ّكانت الخطوة التالية في زيادة عدد “المشرّعين” المتّفق عليه في الإتّفاق، من 108 الى 128 نائباً، في توزيعٍ جديد لمقاعد على مناطق ليست بحاجة لمزيد من التمثيل، بهدف ضمان أكثرية نيابية تبصم على التوجّهات المنتظرة.
وفي وقت لاحق، خضعت قوانين الإنتخاب الى روحية الإنضباط نفسها. لم يوضع قانون قبل ضمان حصص الأقطاب القريبين من دمشق التي ستنتقل من قلب الممانعة الى ساحة لعملها. واستمرّ الإنتخاب الأكثري سائداً بالرغم من التلاعب بحجم الدوائر، ما أتاح تسجيل خروق أزعجت الأوصياء والمستفيدين. فكان لا بدّ من إدخال نسبيةٍ تضع حدّاً لتلك الخروق، وتُعيد ضبط النتائج ضمن حواصل وأصوات تفضيلية ونسبية مذهبية وطائفية ومناطقية.
الآن بتنا أمام فصل أكثر تقدّماً في لعبة الإمساك بالمجلس النيابي. فإذا كانت الفصول السابقة قادت الى جعل النواب أرقاماً في يد بضعة “قادة”، فإنّ الفصل الأخير من اللعبة يهدف الى جعلهم رقماً في يدٍ واحدة، وهذا ما يعنيه الحديث الآن عن جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة خارج القيد الطائفي.
نعرف تماماً أنّ هذا الحديث كان شعاراً أساسياً من شعارات اليسار اللبناني، إلّا أنّه رُفِعَ في مناخات شعبية كانت المذهبية تتراجع أمام تقدّم الأفكار التحرّرية التقدّمية، وكانت الجامعات والحركة النقابية موطناً لتفاعل شعبي واسع، لا تحدّ منه الّا محاولات سلطة متخلّفة لم تنجح في منعه من الإتّساع.
لكنّنا اليوم أمام واقع مختلف تماماً. فقيادات الطوائف، ومنها المسلّح حتى أسنانه، هو من يطرح الدائرة الواحدة خارج القيد الطائفي، في بلد متنوّع، ستجد أقلّياته نفسها في حال الأخذ بهذا الطرح، خارج الحياة، مع ممثّلين لها ستفرضهم عليها فتوى الأكثرية المذهبية… المسلّحة.
بالتأكيد ليس الآن الوقت المناسب لمثل هذه الطروح، ولن يكون مناسباً، اذا لم يوضع حدّ للسلاح خارج الدولة، ولم يوضع قانون جديد للأحزاب خارج الفئوية الطائفية. وحتّى يحين ذلك الوقت، دعوا النواب يرتاحون، واجتمعوا كسادةٍ لهم، وقرّروا ما ترونه مناسباً…