Site icon IMLebanon

عشرات بلاغات الإخلاء أبرز ضحاياها عمال أجانب والفئات المهمّشة: الانهيار يهدّد الأمن السكني

 

حتى الآن، لم تُلقِ الأزمة الاقتصادية بثقلها الفعلي على قطاع السكن. لكن العارفين بالملف يحذّرون من تداعيات خطيرة تتهدد الحقّ في السكن، وهو حق منسي من صناع القرار. أول ملامح هذه التداعيات تقرير صادر عن «مرصد السكن» يشير إلى تسجيل 88 بلاغاً في الشهرين الأولين من 2021، أبرز ضحاياها العمال الأجانب والفئات المهمّشة. أما الأخطر فهو آلية التعامل مع ساكني المناطق المتضررة من انفجار المرفأ

 

81 تهديداً بإخلاء السكن تلقّاها عشرات المُقيمين في لبنان في الشهرين الأولين من السنة الحالية، وفق تقديرات «مرصد السكن الذي أشار إلى تلقّيه 88 بلاغاً مُتعلّقاً بـ«الهشاشة السكنية» تطال 237 شخصاً، «نصفهم أطفال»، فيما تعود 36 من البلاغات الى «نساء يسكنّ وحيدات مع أولادهنّ مهدّدات بالإخلاء».

 

التقرير الصادر حديثاً عن «المرصد» يوضح أنّ البلاغات تتوزّع بين 72 تهديداً شفهياً بالإخلاء وتسعة تهديدات غير مباشرة، وسبعة بلاغات بإخلاء فعلي. والقاسم المشترك بين كل البلاغات هو العجز عن تسديد بدل الإيجار.

ومع أنّ الخدمات المرتبطة بالمسكن (القيمة التأجيرية، الغاز والمحروقات والكهرباء والماء والإيجار…) التي تشكّل، مع الصحة والتعليم، نحو 43% من موازنة الأسر، لم تشهد أسعارها ارتفاعاً كبيراً مقارنةً ببقية السلع، بسبب استمرار اعتماد سعر الصرف الرسمي للدولار وبقاء سياسة الدعم حتى الآن، وفق «مرصد الأزمة» في الجامعة الأميركية في بيروت، إلّا أنّ بدل الإيجار يشكّل عبئاً على غالبية المُبلغين الذين عجز نصفهم عن تسديده.

اللافت أن بدلات الإيجار المتراكمة على عشرات المُبلغين وصل أعلاها إلى ستة ملايين ليرة، فيما تراوح قيمة إيجارات المُبلّغين غير القادرين على دفع إيجاراتهم بين 300 ألف ليرة ومليون، «من بينهم 4 مُبلّغين من المناطق المتضررة، تم إخلاء اثنين منهم». وأشار «المرصد إلى أن البلاغات أتت من أشخاص ينتمون إلى 12 جنسية مختلفة. وهذه المعطيات تشير الى «التدهور السريع الذي تمرّ به الفئات الأكثر استضعافاً في لبنان، ما يزيد بشكل واضح من هشاشة السكن في المناطق المتضررة وفي العاصمة ككل»، وفق مُعدّي التقرير.

التركيز على المناطق المُتضرّرة من انفجار المرفأ سببه أن 14% من المُبلّغين يسكنون في تلك المناطق، «حيث تشكّل مسألة الترميم العامل الأساس في خطر إخلائهم، إمّا من جرّاء المماطلة في القيام بأعمال إعادة التأهيل الضرورية لضمان عودتهم، أو من جرّاء استبدالهم بمستأجرين جدد بعد ترميم بيوتهم، بهدف زيادة قيمة الإيجار».

 

الكرنتينا واحد من الأحياء القليلة في قلب بيروت التي كانت لا تزال تحتضن فئات فقيرة

 

 

المعمارية والباحثة في قضايا التخطيط والعمران عبير سقسوق رأت «أن هذا الواقع يطرح أسئلة عديدة على المسؤولين والمعنيين والجمعيات العاملة في المنطقة حول المعايير المتبعة للحفاظ على الحقوق السكنية، ولتوفير مساكن لائقة كجزء لا يتجزّأ من عملية إعادة التأهيل»، علماً بأن تقرير «المرصد» دعا المسؤولين، «بدلاً من التحاصص وإضاعة الوقت»، إلى «وضع صيغة جديدة للإيجار العادل وكيفية التنازل عن الإيجارات المتراكمة، وحماية السكّان من الإخلاء في حال تعذّر تأمين بديل سكني ملائم، وتطوير برامج سكنية تنتج سكناً آمناً، دامجاً واجتماعياً».

مُنسّقة «المرصد»، المعمارية جنى حيدر، لفتت في اتصال مع «الأخبار»، إلى أنه لم يتم التطرّق حتى الآن إلى قضية السكن بشكل منفصل وواضح ويليق بهذا الحق في ظل الأزمة الراهنة، منبّهة إلى «أننا مُقبلون على كارثة ما لم يتم تدارك الوضع عبر إعداد سياسات سكنية. فحتى الآن، لم تُلقِ الأزمة الاقتصادية والمالية بثقلها الفعلي على قطاع السكن. ومع اشتداد الأزمة سنكون أمام واقع أصعب بكثير». ولفتت الى أن السبب الرئيس خلف عجز كثيرين عن تسديد بدلات الإيجار هو «خسارة غالبية المُستأجرين وظائفهم، خصوصاً العاملين المهاجرين العاجزين عن مواجهة المالكين بطبيعة الحال للتمسك بحقهم في الإقامة في سكنهم».

ورغم صدور قانون عقب تفجير المرفأ لحماية المناطق المتضررة وسكان الشقق المتضررة عبر منع إخلائهم، «إلا أن غالبية الإخلاءات التي تحصل سببها عدم معرفة المُستأجرين بحقوقهم أولاً، وخوف المستأجرين الأجانب من مواجهة المالكين والدخول معهم في نزاع ثانياً، ما يؤدي إلى تجاوز القانون».

حيدر حذّرت من الأثر السلبي لتدخلات المؤسسات في أعمال الترميم ودفعها المالكين إلى رفع الإيجارات بعد الترميم، ما يؤدي الى طرد المستأجرين السابقين، مشيرة الى تداعيات ستظهر على المدى البعيد لجهة «إفراغ مناطق في بيروت، كالكرنتينا مثلاً، من الفئات الفقيرة التي لا تزال تقطن في قلب العاصمة لتزاول أعمالها في سوق السمك أو في المرفأ وغيرهما، ما يؤدي إلى صياغة جديدة للنسيج العمراني الذي ستعجز القوانين الصادرة عن حمايته».

وإلى الكرنتينا، ثمة أحياء، كالجعيتاوي ومار مخايل والبدوي والخضر، تعاني من «مزيج» من الأزمات؛ إذ تترافق آثار فجيعة المرفأ مع تدهور الأوضاع الاقتصادية، «ما يجعلنا نرى بوضوح المآسي اليومية التي ينتجها غياب السياسات السكنية؛ فانعدام الخيارات السكنية الملائمة والمعقولة الكلفة أو المجانية وعدم وجود إجراءات جديّة لحماية السكاّن من الإخلاء في ظل الأزمات، باتا يمثّلان أكبر تهديد على الأمن السكني اليوم»، وفق «المرصد» الذي خلص في تقريره إلى أن سكّان المناطق القريبة من المرفأ «لم يتضرروا من التفجير فحسب، بل من خسارة مداخيلهم في التعبئة العامة ومن الانهيار الاقتصادي، ما دفع جزءاً كبيراً منهم الى ترك بيوتهم عنوة وتعذر تسديد إيجاراتهم المتراكمة»، لافتاً إلى أن «عبء بدلات الإيجار على الأمن السكني في مدينة تتعرّض لانهيارات متتالية وأكثر من نصف سكانها من المستأجرين، أصبح أمراً لا يمكن التغاضي عنه».