دارت دورة فكرة انتخاب رئيس للجمهورية لسنتين دورتها على غالبية المسؤولين ان لم يكن جميعهم، أكانت من منبع محلي والبعض يرميها في خانة الكنيسة المارونية، ام من منبع تبنّيها كفكرة جزئية تم تطويرها لتصبح سنتين بدلا من سنة واحدة انتقالية كانت في اساس اقتراح للرئيس حسين الحسيني في وقت ما، وسعت جهات خارجية تهمها المساعدة في حل الازمة اللبنانية الى رصد ردود الفعل على اقتراح مماثل وما هي فرص او احتمالات نجاحه من ضمن سياق البحث عن مخرج للازمة الراهنة. اجمعت الآراء في حصيلة من تم استفتاؤهم حول هذه الفكرة البائسة على ان هذا الاقتراح خطير. فالسؤال، وان كان افتراضيا، لا يليق بموقع رئاسة الجمهورية بحسب ما ابلغ السائلون انطلاقا من ان مقام رئاسة الجمهورية لا يسمح بتجزئة مدة ولاية الرئيس وحين تتم تجزئتها فان ذلك سيفتح بابا لاضعافها ولتحجيمها، خصوصا ان قيمة الرئاسة هي في مدة الولاية الرئاسية ولن يتمكن اي شخص من المرشحين الرئيسيين القبول بها او بيعها لمؤيديه او الرأي العام في الاوساط المسيحية، علما ان ثمة مخاطر من ان تحجيم الرئاسة واللعب بها على هذا النحو قد يمهد لان تكون آخر الرئاسات المسيحية في لبنان. يضاف الى ذلك ان ليس من مشكلة يعوّل على حلها بعد سنتين لا يمكن حلها راهنا، علما ان رئيساً للجمهورية لمدة سنتين سيكون مفتقدا أي قيمة معنوية او هيبة رئاسية في ظل استمرار الطموحات الرئاسية على الغارب من بين اسباب واعتبارات اخرى. كما انه حين يفتح باب تعديل الدستور لمسألة مماثلة فلعله يفتح المجال لابواب اخرى.
لعل الفكرة من باب البحث خارج العلبة كما يقال في مثل غربي، اي خارج الاطر الواضحة والمعروفة، او بالون اختبار لمحاولة الخروج من الازمة، لكنها فكرة تحمل في ثناياها نتائج خطيرة. وقد اقفلت ردود الفعل المعلنة لكل من الرئيس نبيه بري الذي ادرج هذه الفكرة في اطار مضيعة الوقت وللرئيس سعد الحريري الذي رفض تعديل الدستور والتداول العلني بهذه الفكرة التي لم تجد صدى ايجابيا لها لدى مرجعيات اخرى ايضا، اذ ينسب بعض زوار الرئيس تمام سلام اليه القول ردا على سؤال في هذا الاطار ان كل هذه الفكرة لا تليق بمقام رئاسة الجمهورية ولا يجوز تجزئة ولاية الرئيس، كما انها لا تحل المشكلة التي يواجهها لبنان، في حين لم تصدر مواقف علنية واضحة في هذا الشأن عن القيادات المسيحية التي رمى الرئيس بري الكرة في ملعبها بالذات حين اعلن عن احالة قوانين الانتخاب المطروحة على البحث الى اللجان النيابية المشتركة محملا اياها على نحو غير مباشر مسؤولية تعطيل اقرار مشاريع من بينها ما كان طلبه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في اثناء زيارته لبيروت قبل اسبوعين، اذ هو لم يخفِ طلبه توقيع الهيئة العامة لمجلس النواب على الاتفاق العسكري بين لبنان وفرنسا مما يتيح حرية حركة للمستشارين العسكريين الفرنسيين ولتداول المعلومات بينهم وبين نظرائهم في الجيش اللبناني، علما ان المساعدات الفرنسية للجيش ترتبط الى حد كبير بهذا الاتفاق، وقت ان الجيش يحتاج الى كل مساعدة ممكنة. وازاء الوضع الذي وصل اليه رئيس المجلس نتيجة المواقف التي تتلاقى للقيادات المسيحية (“التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” والكتائب)، فان الرئيس بري بات في وضع لا يحسد عليه اذ لا يستطيع ان يكون اسير ضغط او تعطيل هذه القيادات، ولا يستطيع ولا يود كسرها ايضا. وكان رئيس الحكومة تمام سلام، حتى الامس القريب، يواجه تحديات مماثلة الى ان وجد الافرقاء مصلحتهم في منع انهيار الحكومة راهنا. ومع ان البعض يعتقد ان الرئيس بري اضطر الى ان يخضع لما بدأ بنسجه هو نفسه العام 2006 حين رفع لواء الميثاقية التي بات البلد اسيرا لها ويخضع لمساومة حولها، فان الخروج من هذه الدائرة يفترض توافق الجميع على هذا الامر، او الذهاب الى نظام آخر اصبح قيد التطبيق، علما ان ما اقدم عليه رئيس المجلس كان مثيرا للتساؤل من حيث احالته مشاريع قوانين الانتخابات المطروحة وعددها 17 قانونا على اللجان المشتركة، ما يعني انه رمى بخلاصة عمل اللجنة النيابية التي أكبّت على هذه القوانين لاشهر خلت. ذلك ان الهيئة العامة كانت كلفت مكتب المجلس تأليف لجنة لدرس اقتراحات قوانين الانتخاب على ان ترفع نتيجة عملها وفق ما يفترض الى الهيئة العامة. وقد توصلت اللجنة الى تقليص الخيارات والاحتمالات في موضوع قانون الانتخاب العتيد الى اقتراحين مع وجود نقاط اختلاف كبيرة. الا ان بري اعاد وضع كل الاقتراحات حول قانون الانتخاب امام اللجان المشتركة وليس عمل اللجنة. وهو امر قد يستغرق ما لا يقل عن 17 جلسة في ظل نقاشات اكثر شمولا مما قد يمدد فرصة الوصول الى نتيجة الى سنة على الاقل حين موعد الانتخابات البرلمانية الجديدة. وعندئذ قد لا يكون هناك قانون انتخاب متفق عليه او لا انتخابات نيابية او انتخابات على اساس القانون السابق الذي يسري على نطاق واسع خلف الكواليس. ان “التيار العوني” و”القوات اللبنانية” قد يقبلان بعد المصالحة بينهما باجراء انتخابات على اساس القانون السابق، لكنهما يودان ان يصدر ذلك عن فريق آخر سواهما في ظل معركتهما من اجل قانون جديد للانتخابات.