IMLebanon

هل التّكليف في يد دار الإفتاء؟

 

 

عشيّة الاستشارات النيابية المُلزمة، أرجأ فخامة رئيس الجمهورية موعد الاستشارات لمدّة أسبوع، توخّياً لتأمين المصلحة الوطنية. وجاء قراره ضمن الإطار الدستوري، ومن ضمن صلاحياته المحفوظة له دستوراً. علماً، أنّ سابقة شبيهة حصلت، بإرجاء الرئيس ميشال سليمان موعد الاستشارات في شهر كانون الثاني عام 2011 لمدّة أسبوع أيضاً، بعد تقييم موقف مختلف الأطراف اللبنانية.

 

لكن ما فاجأ الكثيرين، عزوف المرشّح المهندس سمير الخطيب عن الاستمرار في سباق التكليف، لحظة خروجه من دار الإفتاء. وطُرِح العديد من علامات الاستفهام، حول دور هذه الدار في التكليف والتسمية.

 

واستفسر الكافة، هل أنّ التسمية تكون نتيجة استشارات نيابية مُلزِمة، أم نتيجة مُبايعة طائفية مذهبية ضيّقة؟

 

وللجواب عن ذلك، لا بُدّ لنا مِن العودة إلى أحكام الدستور.

 

نصّت الفقرة (ح) من مقدّمة الدستور، على ما حرفيّته:

 

«إلغاء الطائفيّة السياسية هدف وطني أساسي، يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطّة مرحلية».

 

كذلك، نصّت المادة /95/ من الدستور على آلية إلغاء الطائفيّة السياسية، بشكل مرحلي ومتزامن.

 

وأيضاً، الفقرة (ي) من مقدّمة الدستور، نصّت أن لا شرعية لأيّ سُلطة، تُناقض ميثاق العيش المشترك.

 

مما يُفيد، أنّ لبنان كان ولا يزال يُعاني آفة الطائفية والتي لا بُدّ مِن إلغائها مُستقبلاً، تحقيقاً للدولة المدنية، فلكُلّ موقع رجالاته من طائفة مُحدّدة ومِن مذهب مُعيّن.

 

فهلّ بالإمكان انتخاب رئيس للجمهورية، ما لم يَكُن الأقوى داخل طائفته ومَذهبه؟ وهل بالاستطاعة انتخاب رئيس لمجلس النوّاب، ما لم يُسمَّ مِن قِبَل الثُنائي الشيعي؟

 

وبالتالي، ما ينطبق على الرئاستين الأولى والثانية، ينطبق بدوره على الرئاسة الثالثة.

 

مما يعني، أنّ لبنان ما دام غارقاً في الطائفية السياسية ولم تُلغَ لا بالنصوص ولا بالنفوس، فَليسَ بالاستطاعة والإمكان تجريد أيّ موقع، وطبعاً موقع رئاسة الحكومة مِن الميثاقية المذهبية، المُتمثِّلة بالشارع السُنّي، وبدار الإفتاء، وتجمُّع العائلات البيروتية، وسواها من المراجع السُنّية الأُخرى.

 

 

فإلغاء الطائفية السياسية يفترض أن يمرّ بمراحل، نصّت عليها المادة /95/ من الدستور، من تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، وما يليها من محطّات… وحتى تحقيق ذلك، ستبقى الطائفية السياسية هي السائدة خصوصاً في وظائف الفئة الأولى، وفي المواقع القيادية والمتقدّمة لكلّ طائفة ومذهب.

 

وبالتالي، فإنّ موقع رئاسة الحكومة هو موقع ميثاقي بامتياز، كموقع رئاسة الجمهورية وموقع الرئاسة الثانية، ومن غير المسموح (وللأسف) أن يَشغَلهُ، إلّا مَن توافرت له مظلّة طائفية ومذهبيّة من بيئته.

 

وإلّا، نكون أمام إشكال ميثاقي، نعرف مِن أين يبدأ، ولا ندري أين ينتهي.

 

فللعُقلاء نتوجّه، أن لا سبيل لإخراج لبنان من عُنُقِ الزُّجاجة. ما لم نَخرُج مُستقبلاً مِن القوقعة الطائفية والمذهبية، وراهناً ما لم نتحلَّ بالحكمة والروّية، والموضوعية والواقعية في مُقاربة الأمور.

 

صحيح أنّ الدستور يتكلّم على أكثرية وأقلّية، واستشارات مُلزِمة وخلافه…. لكنّ الصحيح أيضاً، أنّ الدستور وفي الفقرة(ح) من مُقدّمته يتكلّم على واقِع الطائفية السياسية، وضرورة إلغائها، كذلك الفقرة(ي)، وأيضاً المادة /95/ منه.

 

مما يُفيد، أنّه ولو اجتمع اليوم جميع النوّاب على تسمية مرشّح مُعيّن، غير مقبول، ومرفوض من طائفته، سنكون أمام مأزق حقيقي، ومُعضِلة كُبرى ستقضي على العيش المُشترك.

 

فالميثاقية واقعاً، أهّم من أيّ دستور، والعيش المُشترك يبقى عنوانًا لاستمرار الوطن وبقائه.

 

ويُذكِّرُنا ذلك، بالتعريف الذي أطلقه رئيس «التيّار الوطنيّ الحُرّ» الوزير جبران باسيل للميثاقية، وذلك إثر اجتماع «تكتّل الإصلاح والتغيير» في الرابية، بتاريخ 6/9/2016 برئاسة فخامة الرئيس العماد ميشال عون (والذي كان نائباً حينها)، حيث صرّح حرفيّاً:

 

«الميثاق هو نقطة اللقاء الأساسية ونقطة الارتكاز للجميع. فالميثاقية ليست مطلباً فئويّاً للمسيحيين، بل هي حاجة للجميع، لأنّها الضمانة والحماية».

 

وأضاف: «لا يَجِب وضع الموضوع خارج الأرضية الوطنية الصلبة، وسقفنا الذي يحمينا هو الميثاق…».

 

ولإنعاش ذاكرة البَعض نُذكِّره، ونسأل ما كان مصير تكليف الرئيس الراحل فرنجيّة، للمغفور له أمين الحافظ رئاسة الحكومة في نيسان /1973/ كذلك «نورالدين الرفاعي» عام /1975/ ؟.

 

وفي الختام، لا بدّ من الإقرار أنّ الواقعية السياسية، توجب علينا راهناً وجميعاً التحلّي بالحكمة والمسؤولية، والترفّع عن الحسابات الضيّقة، ولا بَديل حاليّاً من رئيس حكومة، مُمَثِّل حقيقي للطائفة السُنّية الكريمة، وإلاّ سَنَبقى في الوقت الضائع، وفي عين العاصفة، حَمى الله لبنان.