لا رئيس في الموعد الثالث والأربعين لجلسات الإنتخاب في ساحة النجمة. ولا جمهورية بالمعنى الحقيقي حين يصبح الشغور الرئاسي ورقة في اللعبة السياسية أو خياراً وطنياً، ويُسمى الخروج على الدستور ممارسة دستورية ديمقراطية. فالمثل الأميركي يقول إن تكرار الكوارث معلّم. لكن تكرار كارثة الشغور الرئاسي ثلاث مرات لم يعلم التركيبة السياسية أية عبرة، بحيث ينطبق عليها ما قيل عن آل البوربون بعد الثورة الفرنسية من أنهم لم يتعلّموا شيئاً ولم ينسوا شيئاً.
والأسوأ هو ممارسة مزيج من غطرسة القوة وغطرسة الضعف في تبرير الخروج على الدستور، كأن تسعين سنة من الحياة الدستورية في لبنان هي، بايجابياتها والسلبيات، نوع من السطو على حقوق الطوائف. والأخطر هو التسليم بأن انتظام العمل في آلة السلطة مرتبط بتطورات وأحداث خارج إرادتنا، ولن تتحرك الآلة إلا على توقيت إقليمي ودولي. أين؟ في كل مكان. في اليمن. في سوريا. في العراق. في اللعبة المعقّدة بين أميركا وروسيا.
في لقاء المصالح بين الرئيس فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وطبعاً في صراع المحاور بين السعودية وايران بعدما خسر كثيرون رهانهم الوهمي على التفاهم الأميركي – الايراني في أعقاب صفقة الملف النووي. والأنظار كلها حالياً على معركة حلب.
والمبالغات هي، بطبائع الأمور، جزء من الأسلحة في الحروب، وليس قليلاً ما رافق حرب سوريا من مبالغات، بحيث سمعنا تكراراً الكلام على حسم عسكري للنظام او للمعارضة قبل أن تسيطر جماعة السلفية الجهادية على المشهد المعارض وأن يكبر رهان النظام على التدخل الروسي والايراني المباشر في الحرب. فحين نجحت قوات النظام والحلفاء في إكمال طوق حلب سمعنا مبالغات في سقوط أدوار وامبراطوريات. وعندما تمكّن المعارضون والجهاديون من كسر الحصار سمعنا مبالغات أكبر عن تحرير حلب وكل الشام.
لكن معركة حلب، على أهميتها، ليست المعركة التي تحسم حرب سوريا. فلا شيء ثابتاً. ومن الصعب استمرار الكلام على ثنائية نظام ومعارضة بعدما صارت سوريا ملعباً لكل أمم الأرض. حتى التدخل الروسي، برغم قوته ونوعية أسلحته والإنطباع السائد بأن قوة عظمى قادرة على الحسم، فإنه معرّض لما تعرّض له الغزو الأميركي لأفغانستان والعراق من تآكل وعجز عن حسم الأمور نهائياً. ثم إن أصحاب المبالغات، سواء كانوا مندفعين بالحماسة أو بالايديولوجيا، سيكتشفون ان الحسابات السياسية للقوى الإقليمية والدولية هي التي تدار بها عملياً المعارك العسكرية وهي التي تنظم خطوط السير لهذا الطرف أو ذاك.
والحسابات السياسية مكتوبة على الجدار في معركة حلب.