تتسارع في إسرائيل عمليات التحول من مجتمع صهيوني – علماني إلى مجتمع ديني – يهودي.
قام المجتمع الإسرائيلي الأول على سواعد المهاجرين الأوروبيين (الأشكناز) إلى فلسطين المحتلة الذين أسسوا حزب العمال الذي حكم إسرائيل طوال العقود الخمسة الماضية. إلا أن هذا الحزب ضعف وتراجع حتى أصبح اليوم أحد أصغر الأحزاب الإسرائيلية وأقلها نفوذاً وتاثيراً.
أما المجتمع الحالي فإنه يقوم على سواعد المتطرفين وبخاصة من المستوطنين اليهود (من أميركا وروسيا ودول أوروبا الشرقية).
لا تقتصر نتائج هذا التحول السياسي – الديني – الاجتماعي على عمليات الاستيطان المتوحشة التي تجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعلى تهويد مدينة القدس بشراً وحجراً فقط، ولكن هذه النتائج تنعكس أيضاً على المجتمع الإسرائيلي ذاته، الذي يواجه اليوم ما يُطلق عليه كثير منهم «حرباً ثقافية» و«حرباً دينية»، وتحديداً في مدينة القدس.
تتناول الحرب الدينية موضوع المرأة اليهودية وما إذا كان يحق لها أداء مراسم التعبد اليهودي أمام حائط المبكى، الذي يعتبره اليهود قدس الأقداس.
فالمتشددون من اليهود يعتبرون حضور المرأة إلى هذا المكان المقدس تدنيساً له. إلا أنه بعد معارك اجتماعية وقضائية استمرت 27 عاماً، ورغم معارضة شديدة داخل الحكومة الإسرائيلية، سُمح للمرأة بالصلاة أمام الجدار ولكن ضمن إجراءات ضيقة، وفي أوقات محددة، وبإشراف مباشر من قبل حاخام الطائفة الأرثوذكسية المتطرفة شموئيل رابينوس. مع ذلك فإن حاخام القدس شلومو عمار، وهو زعيم السيفرديم –اليهود الشرقيين- كفّر هذه الجماعات ووصفها بأنها «لا تعرف شيئاً عن التوراة أو الصلاة، او حتى عن اليهودية. وأن قادتها ينتهكون حرمة يوم السبت ويتناولون طعاماً غير الكوشر».
ولتجنب المزيد من الصدام، خصص للنساء اليهوديات مكان محدد ووقت محدد (مرة في الشهر) للتعبد أمام الجدار بحيث لا يكون هناك رجل واحد.
مع ذلك فقد اعتقلت امرأتان حاخاميتان أمام الجدار لأنهما كانتا تستعملان «المشلح» الذي يستعمله الرجال!!
وبموجب القانون الإسرائيلي يمنع الزواج المدني. ويُعتبر اليهود المتزوجون مدنياً غير يهود. حتى أن وزير الشؤون الدينية دافيد ازولاي كفّر اليهود الليبراليين ووصفهم بأنهم أبعد ما يكونون عن اليهودية!
أما الحرب الثقافية فإنها تجري في جبهات الجامعات والأندية، وحتى داخل الأحزاب السياسية الإسرائيلية.
وتنطلق هذه الحرب من شعار جديد رفعه المتشددون اليهود يقول «بالولاء الثقافي» لإسرائيل. وهذا يعني أن كل من لا يخضع لهذا الولاء أو لا يعبّر عنه، يجب إدانته والتخلص منه.
ويستهدف هذا الشعار الجديد تحديداً فلسطينيي الأرض المحتلة من «مواطني» إسرائيل. فهم يتمسكون بإيمانهم الديني (الإسلام والمسيحية) كما يتمسكون بهويتهم العربية الفلسطينية، ويعتبرون أنفسهم محتلين. غير أن المتطرفين اليهود يصفون هذه المواقف بالخيانة الوطنية ويطالبون ليس فقط بتوقيف الدعم المالي الذي تقدمه الوزارات الإسرائيلية لمعاهدهم ومؤسساتهم الثقافية والعلمية مقابل الضرائب التي يدفعونها، ولكنهم يطالبون الآن بسحب الجنسية عنهم، وإبعادهم إما إلى الضفة الغربية المحتلة.. أو إلى خارجها.
لم يلقَ هذا الموقف تأييداً من بعض المثقفين الإسرائيليين، الذين رفعوا الصوت معارضين ومتهمين أصحاب هذه المطالب «بالمكارثية»؛ نسبة الى السيناتور الأميركي ماك آرثر الذي شن حرباً لا هوادة فيها على أهل اليسار وكتابه ومفكريه في الولايات المتحدة.
وقد تعرّض أصحاب هذا الموقف إلى حملات تشويه وإدانة رغم أن بعضهم يعتبر من أيقونات الأدب والفكر في إسرائيل مثل الأديب أموس أوز والكاتب باهوشوا والدكتور دافيد كروسمان.
وقد وصف هؤلاء الأعلام في الأدب والشعر والفلسفة داخل إسرائيل بأنهم «حثالات» أدبية.
أما المراكز العربية في إسرائيل – المسيحية منها والإسلامية – فقد تعرضت للعدوان وأحرق بعضها انتقاماً.
واستجابة لطلب هؤلاء المتشددين، منعت السلطات الإسرائيلية نشر رواية عن قصة حب بين امرأة يهودية ورجل فلسطيني بحجة أن هذه الرواية تُشجع على الاندماج بين العرب واليهود!.. وذلك رغم أن وقائع قصة الحب هذه تجري خارج إسرائيل.. وأن حادث الانفصال بين العشيقين وقعت بعد عودتهما الى إسرائيل!
ورداً على ذلك وصف أحد كبار الفنانين السينمائيين الإسرائيليين أوديد كوتلر، قرار حكومة نتنياهو بأنه يحوّل إسرائيل الى اتحاد سوفياتي جديد!
غير أن الواقع هو أن الصراعات الدينية والصراعات الثقافية بين العلمانيين والمتطرفين تُسّرع خطى تحول إسرائيل إلى دولة دينية متطرفة بحيث تجعل منها «داعش» يهودية!!