الخلل والإحباط في الشارع السنّي/الحلقة الأخيرة تردّي الأداء السياسي عمّم اليأس عند غالبية اللبنانيين
ثمانية أشهر ونيّف من التعثر في تشكيل «حكومة العهد الأولى»، يُدلّل على حجم الخلل الحاصل في المعادلة الداخلية، والذي لا يمكن أن تستقيم معه الحياة السياسية، في بلد يقوم نظامه السياسي الطائفي على توازنات طائفية ومذهبية دقيقة.
ثمانية أشهر تساقطت خلالها مشاريع التأليف، مثل أوراق الخريف، وأثبتت المفاوضات وما تخللها من مناورات وتشاطرات من هنا وهنالك، أن الثقة مفقودة بين شركاء السلطة، وأن كل واحد منهم يحاول التفرّد بالإمساك بمقود القوة الافتراضية، لأن التجارب اللبنانية المريرة علمتنا أن لا يستطيع أي فريق التفرّد بسلطة القرار لوحده، مهما بلغ من التفوّق على الآخرين، لأن لبنان هو بلد التسويات والتوازنات، ما أن تتعرض إحداها أو كلها للاهتزاز، حتى يهتز الوضع الداخلي برمته، وتلوح في الأفق مشاهد الحروب الداخلية البغيضة.
لا ندري إذا كان بعض الفرقاء لا يستوعبون دروس وعِبَر تلك التجارب المريرة، أم هم يتعمّدون تجاهل التاريخ، بدافع من غرور مبالغ فيه بقدرتهم على صناعة تاريخ جديد للبلد، يقوم على قواعد وأسس لا علاقة لها بأصول الصيغة الراهنة.
هذا الواقع كان في أساس إجهاض التسوية الأخيرة التي أسفرت عنها مبادرة رئيس الجمهورية، وكادت تؤدي إلى الولادة الحكومية المنتظرة، لولا التشاطر بمحاولة «خطف» الثلث المعطل في اللحظة الأخيرة من قبل الوزير جبران باسيل!
من المؤسف فعلاً أن يتّسم الأداء السياسي في لبنان بهذا المقدار من العجز، الذي يبدو معه وكأن السياسيين اعتادوا الاعتماد على تدخلات، أو مساعٍ خارجية، شقيقة أو صديقة، لتدوير زوايا خلافاتهم، وجمعهم إلى طاولة واحدة، لمناقشة أزماتهم وإيجاد الحلول المناسبة لها، على نحو ما حصل في اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب العبثية برعاية سعودية أخوية، وما تلاه في اتفاق الدوحة الذي عُقد برعاية وضمانات عربية وإقليمية ودولية، لتجنيب لبنان الانزلاق إلى حرب جديدة بعد ذلك اليوم الأسود في السابع من أيار، ومع ذلك لم يتم التزام فريق ٨ آذار ببنوده، واستخدموا «الثلث المعطل» لتطيير الحكومة الحريرية.
وأصبح معروفاً أن عدم الالتزام بالنصوص الدستورية في عملية تأليف الحكومة، هو السبب المباشر حالياً للخلل الحالي، وما يتسبّب به من تجاوز لصلاحيات رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، حيث تحوّلت التدخلات من الأطراف الحزبية، وما يرافقها من شروط وإملاءات، إلى سوق عكاظ سياسي، يتبارى فيه المتشاطرون للحصول على الحصص الوازنة والوزارات الدسمة، مثل وزارة البيئة التي كانت حتى عشية مؤتمر سيدر، تعتبر من وزارات «كمالة العدد» حيث ميزانيتها لم تكن بالكاد تتجاوز قيمة رواتب موظفيها!
وما يزيد من تداعيات هذا الخلل وما ينتج عنه من أزمات متلاحقة، أن أهل الحل والربط ما زالوا على عنادهم وتصلبهم المعروف, وكأن المشكلة ما زالت في شهرها الأول، والبلد قادر على أن يتحمّل أوزار تعطيل الدولة بضعة أشهر عصيبة أخرى، في ظل اقتصاد يتهاوى، وبطالة تتفاقم، وخزينة خاوية يحار وزيرها كيف يتدبّر رواتب موظفي الدولة كل شهر، فضلاً عن حجم الإفلاسات المتزايد يوماً بعد يوم.
ولم تؤثر الاستحقاقات الداهمة، سواء مليارات مؤتمر سيدر، أم القمة العربية الاقتصادية، في إقناع المتشاطرين، بضرورة تليين مواقفهم والذهاب إلى تسوية عملية وقابلة للحياة، وتكون قادرة على تسريع بناء الثقة، بين الشركاء في السلطة، كما بين حليفي الأمس اللدودين: حزب الله والتيار الوطني الحر.
الواقع أن هذا التردي المهين في أداء السلطة ونتائجه الكارثية على الأوضاع العامة في البلد، قد أدّيا إلى تفاقم مشاعر الإحباط واليأس، ليس في الشارع السني وحسب، بل عند غالبية اللبنانيين المغلوب على أمرهم، والذين أصبح طموحهم ينحصر في الحصول على تأشيرة هجرة، وتأمين مستقبل أولادهم في بلاد الله الواسعة، بعيداً عن حالات البؤس والقرف التي يعيشونها في بلدهم الأم، بعدما فقدوا الأمل بقيامة قريبة لوطنهم المعذب!