IMLebanon

ماذا سيطلب صندوق النقد مقابل الدعم؟

 

يعتبر غربيس إيراديان، كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد التمويل الدولي IIF ، والذي عمل لدى صندوق النقد الدولي لمدة 18 عاماً، أنّ التحدّي أمام الحكومة اليوم، هو الانتقال من مرحلة التخطيط إلى مرحلة التنفيذ، مشدّداً على انّ الحصول على تمويل من صندوق النقد الدولي يجب ان يسبقه تحضير أرضية لازمة، تضمن توفّر الأسس الضرورية لنجاح برنامجه.

 

• ما هو تقييمك الشامل لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الحكومي؟

 

 

– أعتقد انّ برنامج الإصلاح الحكومي الممتد لفترة 5 سنوات، هو أول خطة شاملة وصريحة وجريئة للاقتصاد اللبناني يتمّ إعدادها منذ العام 1992. وفي حين كانت هناك برامج اقتصادية أخرى في العامين 2002 و 2007، إلّا انّ الحكومات آنذاك فشلت في تنفيذ معظم التدابير والإصلاحات المُدرجة فيها.

يتطرّق برنامج الإصلاح الحالي إلى قضايا، طالما اعتُبرت من المحرّمات في لبنان. وهو يشمل معظم الإصلاحات التي طالبت بها الانتفاضة الشعبية التي اندلعت في 17 تشرين الاول. يضع برنامج الإصلاح الحكومي استراتيجية طموحة تهدف إلى تقليص العجز المزدوج (العجز المالي والعجز في ميزان المدفوعات) وتخفيض عبء الديون الكبيرة على لبنان. وتتضمّن الاستراتيجية المالية للحكومة إصلاحات بنيوية، كما وإعادة هيكلة الدين العام، التي ستساعد في إرساء الأسس وتمهيد الطريق نحو تحقيق نمو قوي ومستدام ومنصف، وخلق وظائف قوية في المدى المتوسط.

 

 

 

من التخطيط الى التنفيذ

• ما هي التحدّيات المتبقية وما المخاطر؟

– يبقى التحدّي الآن في الانتقال من مرحلة التخطيط إلى مرحلة التنفيذ، الأمر الذي سيتمّ تسهيله من خلال بناء الدعم العام والسياسي للإصلاح والتكيّف. ومن أجل إنقاذ البلاد من الانهيار الاقتصادي، من المهم أن تتلقّى الحكومة الدعم اللازم لتكون قادرة على التفاوض في شأن برنامج اصلاح شامل مع صندوق النقد الدولي، وبالتالي، سيكون التنفيذ الكامل للإصلاحات الرئيسية وتدابير التكيّف المخطّط لها لهذا العام، أمراً حيوياً لترسيخ صدقية الاستراتيجية الحكومية وحماية الاستقرار الخارجي على المدى المتوسط. ولهذه الغاية، يجب تبدية المصلحة العامة للبلاد وعدم الانصياع الى الضغوط التي قد يمارسها اصحاب المصالح الخاصة والأحزاب المعارضة في المجلس النيابي. لقد حان الوقت لجميع الأحزاب السياسية في لبنان لتضع مصلحة البلد قبل مصالحها.

اما بالنسبة للمخاطر، فإنّ الفشل في الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على برنامج اصلاح أو استقالة الحكومة، هي عوامل ستزيد من خطر الانهيار الكامل للاقتصاد اللبناني، وتؤدي الى مجاعة وإلى مزيد من العنف والاحتجاجات المستمرة في الشوارع. آمل وأدعو أن يتجنّب لبنان مثل هذا السيناريو الهالك، الذي سيصعّب على البلد السير في برنامج إصلاح.

 

 

 

تعديل التوقعات

• كيف يمكن ان يتعامل صندوق النقد الدولي مع برنامج الإصلاح الحكومي المقترح؟

– توفّر خطة الحكومة قاعدة جيدة للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي. سيتمّ تقييم التقديرات والافتراضات والتوقعات الواردة في البرنامج، عن كثب وتعديلها عند الحاجة. وسيطلب صندوق النقد الدولي توضيحات بشأن الإصلاحات اللازمة لتحسين الامتثال الضريبي، ومحاربة الفساد واسترداد الأصول المنهوبة وإصلاح مؤسسة كهرباء لبنان. وبالتعاون مع المسؤولين اللبنانيين، سيقوم صندوق النقد الدولي بتعديل التوقعات.

اما بالنسبة لإصلاح القطاع المالي في لبنان، فإنّها قضية معقّدة يجب النظر فيها بعناية، وسوف تتطلّب تحليلاً معمّقاً اكثر. سيقوم خبراء صندوق النقد الدولي بتقييم جميع المشكلات التي تواجه القطاع المالي، وسيقترحون خطة لإصلاح القطاع، تضمن استمرارية النظام المصرفي اللبناني القائم على تمويل القطاع الخاص ودعم النشاط الاقتصادي.

 

 

 

«كورونا» تعرقل

• متى يمكن للمجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي الموافقة على البرنامج؟

– قد تكون عملية موافقة مجلس الإدارة معقّدة بسبب حظر صندوق النقد الدولي كافة فرقاء العمل لديه من السفر نتيجة فيروس «الكورونا». لكن نظراً للوضع الاقتصادي الهش في لبنان، سيحاول الصندوق تسريع العملية بالشكل التالي:

– بعد الطلب الرسمي الذي تمّ تقديمه من قِبل الحكومة اللبنانية، سيُجري وفد من صندوق النقد الدولي، قريباً، مناقشات مع الحكومة لتقييم الوضع الاقتصادي والمالي وحجم احتياجات التمويل الإجمالية للبلاد.

– سيتوصل الوفد والحكومة إلى اتفاق في شأن السياسة التي يجب اتّباعها استجابةً للأزمة المستفحلة، والتي ستشمل الاتفاق على برنامج تعديل للسياسات الاقتصادية والتزام الحكومة بالقيام ببعض الإجراءات السياسية كجزء لا يتجزأ من عملية إقراض صندوق النقد الدولي.

– بمجرد التوصل إلى تفاهم في شأن السياسات وحزمة التمويل، تُرفع توصية إلى المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي للمصادقة على السياسة التي التزم بها لبنان والسماح بالاستفادة من موارد الصندوق المالية.

– قد تستغرق هذه العملية، في حال تمّت بشكل سريع، شهراً واحداً.

 

 

 

محاربة الفساد

• هل ستمنع الولايات المتحدة والدول الكبرى الأخرى، لبنان من الحصول على الدعم المالي من صندوق النقد الدولي؟

– تحتاج الموافقة على طلب حصول لبنان على تمويل صندوق النقد الدولي، إلى غالبية بسيطة فقط من تصويت مجلس ادارة الصندوق. وبالتالي، لا يمكن للولايات المتحدة، التي تبلغ حصتها حوالى 16.5 في المئة من حصّة صندوق النقد الدولي، حظر الطلب المقدّم من لبنان. علماً انّ الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا طلبت مرات عدّة من السلطات اللبنانية البدء في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة.

ولضمان الحصول على دعم أعضاء مجلس الإدارة الرئيسيين الآخرين، سيكون من المهم أن يتبنّى لبنان برنامجا شاملاً وموثوقاً. والأهم من ذلك، أن يُظهر لبنان التزاماً موثوقاً بمحاربة الفساد وإصلاح قطاع الكهرباء وتنفيذ الإصلاحات الهيكلية اللازمة، لتعزيز استقرار الاقتصاد الكلّي على المدى المتوسط. إذا كان البرنامج شاملاً ومدعوماً من الحكومة اللبنانية، فسيكون من الصعب على مجلس صندوق النقد الدولي عدم الموافقة عليه.

 

شروط وإجراءات

• ما المقصود بشروط صندوق النقد الدولي؟

– تغطي شروط صندوق النقد الدولي تصميم البرنامج المدعوم منه، أي سياسات الاقتصاد الكلي والسياسات الهيكلية والأدوات المحدّدة المُستخدمة لرصد التقدّم نحو الأهداف التي حدّدتها السلطات اللبنانية. يمكن ان تكون الالتزامات السياسية المُتفق عليها مع لبنان، كما في البلدان الأخرى، على الشكل التالي:

1- الإجراءات المسبقة: هي الخطوات التي يوافق بلد ما على اتخاذها، قبل أن يوافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي على التمويل أو على مواصلة المراجعة. يحاول الصندوق ان يضمن وجود الاسس الضرورية لنجاح برنامجه. في حالة لبنان، يمكن إدراج الإجراءات / الإصلاحات التالية كإجراءات مسبقة:

أ- توحيد أسعار الصرف الرسمية والموازية، والانتقال إلى ادارة تعويم سعر الصرف كما هو الحال في مصر. من الممكن أن يؤدي توحيد سعر الصرف عند حوالى 3500 ليرة لبنانية مقابل دولار أميركي، الى ارتفاع سعر الصرف إلى أقل من 3000 ليرة / دولار أميركي، على افتراض أنّ معظم التدابير والإصلاحات يتمّ تنفيذها في الوقت المناسب، ويتمّ توفير التمويل الكافي من صندوق النقد الدولي ومصادر أخرى متعدّدة الأطراف وثنائية (بما في ذلك القروض الميّسرة من CEDRE).

ب- الموافقة على بعض المراسيم أو القوانين التي عُرضت على مجلس النواب، بما في ذلك قانون استقلالية القضاء. تعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء ومجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان؛ وقانون المشتريات العامة.

ج- إغلاق جميع المعابر غير الشرعية ومكافحة التهريب.

د- فرض غرامات على الاملاك البحرية غير القانونية.

2- معايير الأداء الكمي Quantitative performance criteria (QPC): هي شروط محدّدة مرتبطة بإقراض صندوق، ويمكن قياسها وفقاً للمتغيّرات في مؤشرات الاقتصاد الكلّي تحت سيطرة السلطات. تشمل هذه المتغيّرات إجمالي النقد والإئتمان والاحتياطيات الدولية والسلوك المالي.

3- الأهداف الإرشادية Indicative target (ITs): بالإضافة إلى معايير الأداء الكمي، يمكن تحديد أهداف ارشادية للمؤشرات الكمية، لتقييم التقدّم المحرز في تحقيق أهداف البرنامج. على سبيل المثال، الحدّ الأدنى من العجز الاولي، الحدّ الأدنى لاجمالي الإيرادات، وغيرها…

4- المعيار الهيكلي Structural benchmark (SB): هي تدابير إصلاحية غالبا ما تكون غير قابلة للقياس الكمي، لكنها حاسمة لتحقيق أهداف البرنامج، وهي تُستخدم كمعايير لتقييم تنفيذ البرنامج. على سبيل المثال: مكافحة الممارسات الفاسدة؛ تعزيز البنية التحتية القانونية لمكافحة الفساد؛ تنفيذ الضمانات الاجتماعية والبيئية الوطنية.

 

 

 

حجم التمويل

• ما هو حجم التمويل الذي يمكن ان يحصل عليه لبنان من صندوق النقد الدولي؟

نظراً للعجز الكبير في ميزان المدفوعات، يمكن – أن تطلب السلطات اللبنانية تمويلاً استثنائياً بموجب البرنامج المقترح، علماً انّ حصّة لبنان في صندوق النقد الدولي تبلغ 870 مليون دولار، مما يمكّنه من الحصول على ما بين 5 و 10 أضعاف حصّته، أي ما بين 4.35 مليارات دولار الى 8.7 مليارات دولار، على مدى فترة تتراوح من 3 إلى 4 سنوات. اما التمويل الاستثنائي فهو يخضع لمعايير عدّة هي:

– المعيار الاول: تواجه البلاد ضغوطات استثنائية في ميزان المدفوعات، وهي بحاجة لتمويل لا يمكن ان تلبّيه الحدود الطبيعية لحجم تمويل صندوق النقد الدولي.

– المعيار الثاني: يمكن تبرير الحصول على تمويل استثنائي، من خلال التمويل الذي سيتوفّر للبنان من مصادر أخرى غير صندوق النقد الدولي، مما يحسّن القدرة على تحمّل الديون ويعزّز بشكل كاف ضمانات موارد الصندوق.

– المعيار الثالث: يعتقد موظفو صندوق النقد الدولي، أنّ سياسة البرنامج توفّر فرصة قوية للنجاح، ليس فقط من خلال خطة الاصلاح الحكومية بل ايضاً من خلال قدرته المؤسساتية والسياسية على تطبيق الاصلاحات والتعديلات.