Site icon IMLebanon

مليارات الكهرباء والنفايات أم الصندوق الدولي ..؟

 

الضجة المفتعلة لقبول صندوق النقد الدولي التفاوض مع الحكومة اللبنانية حول المساعدات المالية، تُذكرنا بالطبول التي قُرعت عشية بدء الحفر في البلوك رقم ٤ أواخر السنة الماضية، وإعلان لبنان دولة نفطية!

 

هذه المبالغات في إطلاق بالونات التفاؤل سرعان ما ترتد خيبات أمل، ومزيد من الإرباكات على الوضع العام المتهاوي أصلاً، ويؤخر المعالجات الحقيقية والمطلوبة على جناح السرعة، عوض التلهي بإنتظار الحلول من الخارج، والتي ليس من السهل الحصول عليها، في ظل هذا العجز المستفحل في إدارة الأزمة التي تشلّ البلد، وتُسرّع من سرعة الإنحدار المخيف.

 

تجارب الدول التي سبقتنا في الإستنجاد بالصندوق الدولي تؤكد أن لا نتائج سريعة للمفاوضات المضنية، فضلاً عن الشروط القاسية التي يفرضها عادة على الدول الجانحة نحو الإفلاس. الأمر الذي يفرض على الحكومة إتخاذ الإحتياطات اللازمة في حال تعثر المفاوضات، أو على تأخر الوصول إلى النتائج المرجوة.

 

لعل أولى هذه الخطوات الواجب العمل على تنفيذها تتعلق بملف الكهرباء، مزراب الهدر والفساد الأساسي في المالية العامة، حيث مازالت الشركات العالمية، مثل «سيمنس» و«جنرال الكتريك»، تُبدي إهتماماً بالدخول إلى السوق اللبناني، وتتمتع بإمكانيات ضخمة، تُمكنها من تلبية الحاجة اللبنانية بإنشاء معامل جديدة، تعمل بطاقة نظيفة، وتؤمن حلولاً جذرية لهذه المشكلة المستعصية منذ عقود من الزمن، وتسببت بأكثر من ثلث المديونية العامة.

 

إطلاق ورشة الكهرباء ووقف الهدر والسرقات والصفقات المريبة في هذا القطاع لا يحتاج إلى مساعدة الصندوق الدولي، بل على العكس، يساهم في تخفيف الضغط على الجانب اللبناني في المفاوضات المرتقبة مع وفد الصندوق الآتي إلى لبنان خلال الأيام المقبلة.

 

ويمكن للحكومة أن توظف التحقيقات القضائية الجارية حالياً حول صفقات الفيول المغشوش، لدعم موقفها في هذه المفاوضات من خلال تقديم براهين عملية عن نية الدولة اللبنانية مكافحة الفساد ، والحد من الهدر، في إطار خطة الإصلاح المالي والإقتصادي التي تعهدت بها أمام اللبنانيين والدول المانحة، وذلك عبر خطوات جدية مع مؤسسات عالمية، وبذلك تساهم في إستعادة بعض الثقة المفقودة بجدية الدولة اللبنانية في تنفيذ الخطوات الإصلاحية الموعودة.

 

ونجاح الحكومة في فتح ملف الكهرباء يُمهد لنجاحات أخرى في قطاعات حيوية غارقة في مستنقعات الفساد والمحسوبية السياسية والمناطقية، وفي مقدمتها أزمة النفايات التي عادت تطل برأسها من جديد، رغم مضي أربع سنوات على إندلاع هذه الفضيحة المخزية، دون أن يتم وضع أية خطة جدية لإيجاد الحلول الجذرية والعصرية في معالجة النفايات، التي تحولت في لبنان إلى مناجم ذهب تدر المليارات للسياسيين وأزلامهم، عبر الإكتفاء بالمطامر العشوائية وغير الصحية، والتي تُشوّه البيئة، وتشكل خطراً محدقاً على صحة الناس.

 

تم صرف المليارات للبلديات بحجة تمكينها من تطبيق خطط محلية لمعالجة النفايات في الفترة المؤقتة بإنتظار وضع المخطط الوطني الشامل للتخلص من هذه المعضلة. وتواطأت المنظومة السياسية على إنشاء المطامر المخالفة لأبسط الشروط الصحية، وفي أهم المواقع السياحية، بجوار مطار بيروت على شاطئ خلده، وبقرب المرفأ على شاطئ برج حمود، تحت شعار التخلص الفوري والمؤقت، فكان أن إستنفدت هاتان المنطقتان الطاقات الاستيعابية، وأصحاب الحل والربط غارقون في نقاشات بيزنطية ونفعية حول الخيارات الواجب إعتمادها: محارق أم مطامر! في حين أن الدول المتقدمة سبقتنا بأشواط في إعتماد الفرز من المصدر لتسهيل المعالجات اللاحقة، وتخفيف معدلات الطمر، وتأمين الطاقة النظيفة للمحارق التي يمكن أن تكون مصدراً لتوليد الطاقة الكهربائية.

 

الحكومة ستفاوض صندوق النقد الدولي للحصول على عشرة مليارات دولار خلال خمس سنوات وبشروط قاسية، قد تزيد الأعباء إرهاقاً على كاهل الناس الغلابى، في حين أن إطلاق ورشة الكهرباء، ووقف الهدر والفساد في هذا القطاع سيوفران هدر عشرة مليارات دولار في السنوات الخمس المقبلة، فضلاً عن إمكانية توفير دخل للخزينة بمليارات الليرات سنوياً، إلى جانب تحرير اللبنانيين من ضغوط فواتير المولدات.

 

كما أن المعالجة الجدية لملف النفايات من شأنها أن توفر المليارات على الخزينة، وتحوِّل «مناجم الذهب» لمصلحة الدولة والبلديات التي تنشط في إيجاد الحلول المناسبة لها.

 

أما إستعادة المليارات من الأموال المنهوبة من الكهرباء والفيول المغشوش، ومن صفقات النفايات والمطامر المريبة، فله حديث آخر!