يذهب لبنان إلى صندوق النقد الدولي وعينه على استدانة 10 مليارات دولار على مدى خمس سنوات من أجل تلبية احتياجات مواطنيه من غذاء ومحروقات وأدوية وغيرها، ويُفترض أن الحكومة في هذا المجال يجب أن تدرك الأمور التالية:
أولاً: إن هذا الإقتراض لن يحصل إلا وفق برنامج يصادق عليه الصندوق.
ثانياً: لن يحصل إلا بعد بدء تطبيق الإصلاحات في بنية الإدارة العامة والقطاعات التي تتولاها وأولها الكهرباء.
ثالثاً: لا يمكن لأي حكومة مستقبلية أن تتملص من سداد الاقتراض.
رابعاً: إن هذا الإقتراض يجب أن يترافق مع المزيد من الموارد الثابتة لخزينة الدولة ولا سيما من الجمارك والنظام الضريبي.
خامساً: يجب أن يقترن الاقتراض بتعزيز القطاعات الإنتاجية في لبنان كالصناعة والزراعة والسياحة.
سادساً: الإقتراض مرهون باستقرار سياسي وعدم تعطيل المؤسسات والاستحقاقات الدستورية لأي سبب من الأسباب.
كل هذه الأمور يجب أن يتعهد بها لبنان في مفاوضاته مع صندوق النقد، وأن يقتنع خبراء هذا الصندوق بالقدرة اللبنانية على التنفيذ، فالوعود التي كان لبنان يتعهد بها في مؤتمرات باريس و”سيدر” لم تعد تنفع، لا سيما أن القرار في صندوق النقد لا يؤخذ بمعزل عن رأي الدول الكبرى المساهمة في هذا الصندوق وفي مقدمها الولايات المتحدة الأميركية، وهي أيضاً لا ترغب في تمويل دولة تتجه إلى أن تكون على غرار فنزويلا أو الجمهورية الإسلامية الإيرانية أو سوريا، فصندوق النقد الدولي والجهات المانحة وإن كانت ترغب في إصلاح النظام المصرفي في لبنان إلا أنها تتمسك بداية باستقلالية مصرف لبنان، وبقطاع مصرفي يكون مرادفاً لنظام إقتصادي حر، لا أن يتحول هذا النظام إلى اقتصاد موجه بشكل مقنع ولا أن يدخل إليه ولا سيما من باب المصارف ما يعيد لبنان إلى دائرة الاستهداف بالعقوبات الأميركية وغير الأميركية، فأي عقوبات جديدة ستنعكس سلباً بالتأكيد على كل المسار الإنقاذي الذي يحاول لبنان تسويقه، فهل هناك استعداد لدى الحكومة اللبنانية لإبعاد لبنان عن هذه الكأس في مرحلة التدهور أو في مرحلة بدء محاولة الخروج من الإنهيار؟
إن الإجابة عن هذا السؤال ليست سهلة بالنسبة لحكومة الرئيس حسان دياب لأن أي توجه في هذا الإطار سيوضع في خانة المؤامرة والاستجابة للشروط الأميركية على صندوق النقد، ولا يُعتقد أن هناك خياراً وسطياً في هذا المجال، فالخيارات المماثلة التي اعتمدت في السابق لم تصل بلبنان إلى بر الأمان ولم تنأ به عن تداعيات صراعات المنطقة والتي ساهمت في تسريع الإنهيار.
إن الحكومة مطلوب منها أن تدرك كل هذه الحقائق والوقائع وأن توفّر على نفسها وعلى اللبنانيين عناء وتداعيات مرحلة جديدة من التسويف والمماطلة.