Site icon IMLebanon

بين الحكومة والحاكم وجمعية المصارف… هل يفسد الاختلاف المفاوضات مع صندوق النقد؟

 

لم تكن متعثرة، لكن انطلاقة المفاوضات بين الوفد اللبناني وصندوق النقد لم تكن مثالية أيضاً. منذ اليوم الأول ظهر الاختلاف بوجهات النظر بين أعضاء الوفد اللبناني حول بنود الخطة ثم انكشاف الخلل الوارد في الخطة، في ما يتصل بحقيقة الأرقام وهو ما دفع وفد الصندوق إلى إسداء النصيحة لهم بالاتفاق مسبقاً.

 

فبعد الاجتماع الأول الذي كان عمومياً، تبدأ الاسبوع المقبل رسمياً وعملياً اجتماعات الوفد اللبناني مع صندوق النقد الدولي. وبدل أن تنطلق هذه المفاوضات من أرض صلبة وخطة، حولها إجماع الأطراف المعنية، صرنا أمام وجهات نظر مختلفة وتشكيك في بعض أعضاء الوفد المشارك في المفاوضات. عدد المشاركين في المفاوضات من ممثلين عن الجهات السياسية يكشف غياب الثقة بين الأفرقاء، وإلا لكان التفاوض أسند الى وزارة المال ومعدي الخطة فقط من دون وجود مستشارين بدوا كأنهم شهود على سير التفاوض.

 

ولهذا السبب ربما جاءت تغريدة رئيس “الحزب الاشتراكي” وليد جنبلاط عبر حسابه على “تويتر”: “الخطر في بعض الأفراد من الوفد اللبناني المفاوض والبعض في شركة “لازار” أنهم يُضمرون أحقاداً شخصية، تكاد أن تصل بهم إلى اعتماد الفكر “البعثي” لتدمير الصيغة اللبنانية في التعددية الفكرية والتراثية والسياسية، التي تعود إلى فخر الدين ولاحقاً الإرساليات وسط فضائح أهل الحكم ومنع مهمة القضاء”. معرض الانتقاد قد يكون هنا مشاركة المستشارين والأعضاء ممن عُرفوا بعلاقتهم السيئة مع حاكم مصرف لبنان والمصارف، وعملوا في حقبات سياسية مختلفة ولهم رؤية ونظرية مختلفة عن رؤية الحاكم في التطلع الى المعالجات. وليست الانتقادات حول تمثيل الوفد المفاوض وحدها المأخذ، فثمة أمور اخرى كانت معالجتها مسبقاً أجدى، ومنها حصر إجماع حول الخطة أقلّه بين أعضاء الوفد المشارك في التفاوض.

 

أظهرت الوقائع تحفظ وفد مصرف لبنان على الخطة المالية لا سيما وأن الحكومة لم تقف على رأيه بشأنها. يقول مقرّبون إن “حاكم المصرف المركزي رياض سلامة يحتفظ بخطة لم يتسنّ له عرضها على رئيس الحكومة بعد، ولم يتركوا له فرصة لذلك”، فيما جمعية المصارف تستعد لإعلان خطتها لأنها لم تجد في بنود خطة الحكومة ما ينصفها. ما يعني وجود ثلاث وجهات نظر حول الخطة، التي يفترض أنها تشكل ورقة العمل التي تقدمت بها الحكومة الى الجهات الدولية طلباً للمساعدة. ويعد هذا الأمر مشكلة تبرّر الخوف من إدارة سيئة للمفاوضات. فكيف يفاوض طرف على بنود لم يشارك بإعدادها ولا يعتبر نفسه معنياً بها، ولماذا لم يشارك الحاكم بشخصه؟

 

تقول جهات اقتصادية إنه كان من الخطأ تهجّم الحكومة على المصارف واتساع الهوة في العلاقة بينهما. برأي هذه الجهات كان بإمكان وزير المال غازي وزني أن يجمع مصرف لبنان والمصارف مع الحكومة فيشركها بالخطة، بما يؤمن أرضاً صلبة للتفاوض بدل أن يدفع لبنان ثمن هذا الاختلاف في الرؤية، خصوصاً حين تتقدّم المصارف بخطتها فنكون أمام خطتين احداهما لقطاع مصرفي يملك ما يقارب 15 ملياراً سندات خزينة، يرى أن من حقه أن يقدم تصوّره الخاص لا سيما في الجوانب المتعلقة بالمصارف كالـ”هيركات” وغيرها من الإقتراحات، حتى ولو لم يكن هذا القطاع طرفاً في المفاوضات.

 

لا يمكن التنبؤ بأن تسير الامور نحو معالجات سلسلة في ظل انقطاع التواصل بين حاكم المصرف المركزي ورئيس الحكومة. وكأن الخلاف بينهما ارتدى طابعاً شخصياً. اتهم دياب الحاكم بتصرفات مريبة نتيجة تعاميمه. ردّ الحاكم ولم تردّ الحكومة على رده، ثم وضع المصرف المركزي في قفص الاتهام على خلفية التلاعب بسعرالدولار، ثم ردّ الحاكم. كأنها حرب بالتراشق وتبادل الاتهامات في وقت يستمر فيه الحاكم بأداء مهامه، والحكومة لم تقدم على أي إجراء معين بحقه طالما أنه متهم من قبلها. وُضع حاكم مصرف لبنان في خانة الاتهام وأثير ملف بحقه صار في عهدة القضاء، فما عرفنا اذا ما كان مداناً فعلاً لتتم محاكمته او بريئاً فيصار الى محاسبة الآخرين. قد يقول قائل إن كلّ ملابسات الوضع المالي والنقدي وارتفاع سعر صرف الدولار سببها إخفاق رياض سلامة، المتهم من الحكومة بمحاولة افشالها، فاذا كان هذا الأمر صحيحاً فليستدعَ ويتم التفاوض معه وإجباره على تقديم حلول أو إقالته. أنصاف الحلول لا تنفع، وفتح الملفات على مصراعيها على طريقة من كل واد عصا لا ينفع، وكذلك النيل من سمعة المؤسسات من أجل تصفية حسابات سياسية مع أشخاص.