استمرار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي في جولتها الثانية اليوم، لا يعني أن المساعدات المالية أصبحت خلف الأبواب، وأن عمليات إنعاش الاقتصاد اللبناني ستبدأ بين ليلة وضحاها!
ثمّة صعوبات جمّة ما زالت تحول دون حصول لبنان على الدعم المالي الفوري المطلوب، لعل في مقدمتها هذا التباين بين الحكومة والبنك المركزي، ومعه الهيئات الاقتصادية وجمعية المصارف حول الخطة الامتصاصية الإصلاحية التي أقرّها مجلس الوزراء، من دون التشاور مع القطاعات الإنتاجية والمالية المعنية. هذا التباين الفادح تسبّب في اهتزاز الموقف اللبناني في الجولة من المفاوضات الأسبوع الماضي، وأظهر حالة الانقسام التي تُعاني منها مواقع القرار في الدولة اللبنانية، رغم أن الحكومة تتألف من ائتلاف سياسي من لون واحد بقيادة «حزب الله».
وهيمنة «الحزب» على إدارة الدفة السياسية في هذه المرحلة تشكل العقدة الأولى التي تعترض سبل المساعدات، سواء العربية أو الأوروبية والأميركية، في ظل الحصار الاقتصادي الأميركي والغربي المفروض على إيران وحلفائها في المنطقة، وفي مقدمتهم «حزب الله»، الذي توغّل دوره بعد سوريا في العراق واليمن والبحرين، وبلدان أخرى في الإقليم، بالتعاون والتنسيق مع الحرس الثوري الإيراني.
وجاء القرار الألماني الأخير، في اعتبار الحزب «منظمة إرهابية» ليحمل أكثر من إشارة إلى التغيّرات التي ستطرأ على مواقف دول الاتحاد الأوروبي، والتي كانت حتى الأمس القريب تُقاوِم الضغوط الأميركية لإدراج «الحزب» على لائحة المنظمات الإرهابية، مكتفية بالتمييز بين تركيبته السياسية، وجناحه العسكري.
ولم تتأخر الديبلوماسية الأميركية عن تأكيد موقفها المتشدّد حيال لبنان و«الحزب»، وإعلانها عدم استعداد واشنطن تقديم أي مساعدة مالية للبنان، في ظل «حكومة حزب الله»، على اعتبار أن «الحزب» سيكون هو المستفيد الأول من هذه المساعدات!
وباستثناء الموقف الفرنسي الذي ما زال يحتفظ بخطوط التواصل مع طهران وقيادة الحزب في بيروت، فإن معظم الدول الأوروبية ستسير على خطى الموقف الألماني الجديد، نظراً لثقل دور برلين في القرار الأوروبي من جهة، إلى جانب الأوضاع المالية الصعبة في الاقتصاديات الأوروبية بعد جائحة «كوفيد ١٩»، من جهة أخرى.
أما المساعدات العربية، والتي كانت تشكّل «حجر الرحى» في الدعم المستمر للوطن الصغير، فما زالت بعيدة المنال، لأن التصنيف العربي للتركيبة الحكومية يضعها في خانة «حزب الله»، الذي تم إدراجه على لوائح المنظمات الإرهابية في دول الخليج، وكذلك تم تجميد، أو إلغاء، المبالغ المالية التي تعهدت بها السعودية والكويت والإمارات وقطر في مؤتمر سيدر، والتي تجاوزت قيمتها الأربعة مليارات دولار، لأن الجانب اللبناني لم يُنفذ برنامج الإصلاحات الذي تقدمت به الحكومة اللبنانية إلى المؤتمر، وحظيت على أساسه بدعم وصل إلى أحد عشر مليار دولار.
المشكلة الأساسية أن الحكومة ما زالت تخوض في رهانات خاسرة، أو على الأقل غير مضمونة النتائج، في انتظار المساعدات البعيدة المنال من الخارج، من دون أن تلتفت، ولو بالحد الأدنى، إلى تصحيح الأوضاع الشاذة في مالية الدولة، من خلال استعادة المرافق العامة، من مرافئ وجمارك وأملاك بحرية، وتفعيل الإنتاجية في قطاعي الاتصالات والكهرباء، والإسراع في تلزيم معامل الإنتاج على طريقة الـBOT، والعمل جدياً على استعادة ما أمكن من الأموال المنهوبة، والتشدد طبعاً في التدابير الجدية لوقف الهدر والصفقات ومكافحة كل أنواع الفساد.
لا خيار أمام الحكومة أهم من الالتفات للداخل، وعدم تضييع المزيد من الوقت في انتظار الترياق من الخارج، المُستبعَد وصوله في ظل الحصار المتمادي والمستمر على «حزب الله» عربياً ودولياً.