IMLebanon

تجاذبات المحلي الإقليمي تُثير خيارات مؤلمة في المفاوضات مع الصندوق!

 

النملة اللبنانية بين الفيل والتنين

 

على أرض رحى طاحنة تدور بين اول اكبر اقتصاد على مستوى العالم، هو الاقتصاد الاميركي بعملته الخضراء (الدولار) التي تتحكم بمصائر رفاه الشعوب وعملتها الوطنية، واقتصادياتها الناهضة او المتعثرة، وثاني أكبر اقتصاد، تأدت عن حضارة العرق الأصفر الآسيوي، الطامح، عبر تكنولوجيا الهواوي، والـ«وان دولار» (One Dollar) (اشارة الى البضائع الصينية الرخيصة)، كان السؤال، ولا يزال: هل ان التطاحن الاقتصادي بين الدولتين العظميين: الولايات المتحدة الأميركية والصين الشعبية (وإن كانت تغيرت كثيراً عن ايام ماوتسي تونغ، وريث حضارة الجد المؤسس منذ ايام الآباء – الامبراطوريين) هو الذي تسبب بتخليق فايروس كورونا القاتل، (حتى ولو وُلِد طبيعياً من أنسجة بعض الحيوانات، اللحمية من دون ريش كالوطوط او غيره) أم ان الفايروس Covid-19، كان الذريعة، لاعلان الحرب التجارية – المالية بين تحالف «الفيل والحمار» في الولايات المتحدة والتنين الصيني، الهاجم من الشرق البعيد، معتبراً نطاق المحيط الهادي، او الباسيفكي، ساحة سيطرة ونفوذ، واستثمار دولي، اقتصادي وجيوبوليتكي…

 

على هذه الأرض، بين المحيطين الاطلسي والباسيفكي (الهادي)، يشهد العالم، عصر تحولات انقلابية، في كل اوجه الحياة، من الاخلاق، الى الايمان، والنظرة الى الكون، والتعايش والحضارات، وطرق الانتاج، وفرص العمل والسياحة، وامتداداً الى السواحل الغربية والشرقية، تتمادى الازمات، إياها، مع اعتبار الفايروس، فرصة ثمينة لكسب حرب هنا، او تكريس اغتصابات هناك.. من كشمير وتايوان، الى «الدولة العبرية»، المنفتحة على الصين، واقتصادها «الإمبريالي» وفلسطين التي أنهت نكبتها سنة الـ72، امتداداً الى حروب الاقليم المتهالك، من برقة الليبية الى أدلب السورية، مروراً الى «اليمن التعيس» الذي كان سعيداً في تاريخ ما، او ازمنة ما، قبل جنة عدن وبعدها..

 

في نقطة صغيرة، على الضفاف الشرقية الغربية للمتوسط، يشهد «بلد الأرز» او البلد الفينيقي، الارجواني، القاني، مخترع الابجدية، في قصائد سعيد عقل، مخاض ولادة جديدة، او مخاض تفكك، لا احد يدري، بين قلة نظيفة، تقبض على السراي الكبير، في وسط بيروت، وطبقة مالية – سياسية، قمة في النذالة والفساد، والعهر، والغش والفساد، ليس لاستعادة المكانة، أو التعافي، بل ربما ما هو أبعد، يتعلق بالمكانة، والدولار، والموقع، ذي التأثر الطارد والجاذب في لعبة صراع المصالح والنفوذ والحقوق، في منطقة اطلق عليها الانكليز، ذات يوم من ايام الحرب «الشرق الاوسط»..

 

تتصرف القلة النظيفة، التي هي الحكومة، او الوزراء التكنوقراط، الذين لا يطمحون الى اي دور سياسي، لا نيابي، ولا حزبي، ولا سياسي في المستقبل، كأن بإمكانها امتلاك ناصية الحل، سواء أكان سحرياً، أم قيصرياً، على أرض المعاناة، أو وضع خطة للتعافي الاقتصادي والمالي، في بحر سنوات خمس أو عشر، أو مائة، لا أحد يعرف، على وجه الدقة كم؟! مع العلم ان الكل، يكاد، يتفق على ان هؤلاء الوزراء والوزيرات، تغلب عليهم صبغة نرجسية، أنثوية في مكان، وصبغة الخفة، او الاندفاع، او قلة الخبرة، اذا كانوا من الصنف الذكوري، الحضاري، الذي يؤمن بالمساواة ما بين الرجل والمرأة..

 

وإذا كان لا بدَّ من انصاف، فهؤلاء، القوم، الوزراء، لم يتقنوا بعد ان الوزير، هو رأس سلطة في وزارته، وليس خبيراً، يدرس الحالة، ويجمع المعلومات، ويقترح، مستفيداً من كل ما وفرته التكنولوجيا، من معلومات، او احصاءات، او تقارير.. يتصرف الوزراء السادة والسيدات، وكأنهم خبراء، إزاء ملفات بالغة العتو في الهلاك، والفساد، والتعقيدات، والتداخل، والهريان، من الادارة، الى المال، والقضاء، والتعيينات، والنفايات، وحتى الكهرباء، والبلوكات النفطية، الموعودة..

 

تواجه حفنة الوزراء، الطهور بين الانقياء، لا سيما الانثوات منهن، اللواتي يشبهن «بنات الجنة» من الملائكة، طغمة سياسية، خطيرة، تمرّست على سياسة مكيافيللية، ومكارثية، واستبدادية، على طريقة اختصار الطوائف، بلحمها وشحمها، في شخوصها، وطبقة مالية، تافهة ونتنة، لا مثيل لها في كتب التاريخ، او اساطير الاولين، ولا حتى في الفساد الروماني، او الإغريقي، في مجتمع العبودية، وتشريعاته الصولونية، العادلة، او الألواح الإثني عشر، التي وصفتها هيئة العشرة (Decenvirs)، والمنقوشة على ألواح من نحاس، وفيها تقوننت العادات والأعراف والتقاليد في روما القديمة، وهي تعرض في الساحات ليطلع عليها الجمهور، وقد تحولت الى اساس للقانون الروماني العام والخاص، او حتى في رواية شكسبير «تاجر البندقية»، وهو شايلوك (Shylock) الثري، اليهودي احد كبار تجار البندقية، المدينة الايطالية العائمة.

 

لا حاجة، للعودة الى التاريخ السحيق، لرؤية، ما يتعين ان تكون عليه التشريعات، في زمن الازمة المالية- النقدية الخطيرة، لا الى الرومان، ولا الى غيرهم.. جلّ ما في الامر، النظر الى القوانين من زاوية، قدرتها على ثقة فعالة، وسمعة طيبة..

 

من القوانين البشعة ايام الرومان، ان احدها كان يعطي «الحق للدائن، بعد انقضاء مهلة معينة، في قتل مدينه أو بيعه في سوق الرقيق… (هيغل، اصول فلسفة الحق، ص104)، أو تخفيض الديون لصالح عامة الشعب، بمقدار ما يدفع فيها من فوائد (في لوح آخر)..

 

ليست المسألة هنا، الاقتصاص من اصحاب المصارف، الذين، وان اعترفوا بأموال المودعين، وأنها امانة لديهم، المسألة تتخطى الجهة، التي تشرّع، وإمكانية، وضع «الألواح اللبنانية» العادلة، في ازمنة الأوبئة، والسرقات، والانهيارات، غير العادلة.

 

من هي مجموعة العشرة، التي عليها أن تشرّع، لاستعادة المال، وتهدئة الأحوال، وبناء ثقة، دائمة، تنقذ الحقوق والبنوك، وتبعد، الحفنة السياسية، المتخمة، والخائنة، والعابثة بحقوق الناس، وبقيم الأخلاق، والمبادئ والأديان الى يوم الدين..

 

في الخضم، المتفلت من كل الضوابط، تمضي حكومة العشرين، وهي تتنقل من ملف غارق، الى ملف هالك، ومن أزمة الى أزمة، تارة لتصفية الحساب، وتارة لردع الأشقياء، الذين عانوا في الارض فساداً، من مواصلة الهجوم، على قرار من هنا، وتدبير من هناك..

 

دع عنك، الكورونا، وتمديد الإقفال، او اعادة فتح البلد أمام الحركة والحياة، واستعادة الروح، والنفس الشاق، في أزمنة التقلبات المناخية، وغزو الخنافس الحشرية، السوداء، او الملونة، النتنة أو غير النتنة، من الـColleopter، الى الـAnthonome (وهي خنفساء تضرب شجر التفاح) والـ Doryphour (وهي خنفساء تضرب أوراق البطاطا الخضراء)، وصولاً الى hanneteony (وهي الخنفساء التي تلتهم أوراق الشجر)، في طقس حار، ترتفع فيه الحرارة الى ما فوق 30 درجة قبل حلول الصيف..

 

كل ذلك، ويحاول «وزراء العشرين»، اجتراح معجزة التفاوض، بلا شروط مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل، او قروض، لا تقل على 8 مليارات دولار، في المرحلة الأولى، من أصل، 28 مليار دولار في السنوات الخمس المقبلة..

 

وبعيداً، عن الأحكام المسبقة، والنيات السالبة او الموجبة، وما ستؤول اليه الأمور، في ما خصَّ المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، لتمويل عجز الدولة، ضمن قواعد مالية ونقدية، وقانونية، وحقوقية، تخص لبنان، عبر مؤسساته النقدية والمالية، وصندوق النقد، الذي يمتلك شخصية قانونية، إن لجهة الدول الأعضاء أو غير الأعضاء في الصندوق مستمدة من اتفاقية بريتن مودز (1944) والمبادئ العامة المستخلصة من محكمة العدل الدولية.

يشكل الدولار المرتكز الأساسي لنظام الصندوق، ولديه لوائح، على شكل شروط للسحوبات او القروض، او طرق السداد او الضمانات.

 

يدرك المفاوض اللبناني، كل هذه التفاصيل، لكن ما يجهله الرأي العام، يتعلق بـ:

 

1 – تخلف لبنان عن سداد ديونه «باليورو بوندز»، وتأثير ذلك، على قروض جديدة.

 

2 – تحرير المدفوعات الخارجية الجارية، التي تضعها الدولة من القيود، بحيث يكون سعر التحويل حراً، وان تصل قيمة العملة الوطنية الى سعر تحويل واقعي بالنسبة للعملات الأجنبية وعلى الأخص الدولار..

 

وهذا الأمر، يطرح مخاطر الاستمرار في اكثر من سعر لصرف الدولار، في سوق القطع، إذ لم يعد من الممكن المضي بسعر 1507 و1514، وسعر وسطي (1510.5 ليرة لكل دولار) في حين أنه لدى الصيارفة، في السوق السوداء، او البيضاء لا يقل عن 3800 أو 4500 ليرة لبنانية لكل دولار..

من هنا، شكلت هذه النقطة عنصر تجاذب واسع بين المفاوض اللبناني والمفاوض الدولي، ومما زاد الطين بلة، الإجراءات التي قضت بنقل المواجهة القضائية الى داخل المصرف المركزي، المعني مباشرة بسعر الصرف، والتحويل، والمعاملات المالية الدولية..

3 – كيف يمكن السيطرة على الأجور والأسعار في ظل فوضى سعر الدولار، ومترتباته، في المستقبلين القريب والبعيد..

 

4 – يواجه المفاوض اللبناني، سواء انضم اليه حاكم المركزي غداً، او بقي على انتداب مَن يمثله، مشكلة ضخمة، تتعلق بمصير الدعم للمحروقات والطحين، والدواء، وحتى الكهرباء.. وهذا شرط ضروري، ودائم، يطالب به الصندوق، الدول العاجزة، كإجراء لا بُـدَّ منه، للقبول بتقديم المساعدة المالية.

 

في المعادلة هذه، وبعد ان انتقل لبنان من طلب المساعدة الفنية الى القروض المالية، تدخل تجاذبات المحلي والاقليمي، مع تحولات الدولي.. لتجعل الترقب، سيّد الموقف، لسنوات مقبلة؟!