IMLebanon

صندوق النقد أصبح ممراً إلزامياً للإنقاذ

 

تفشّى المرض الاقتصادي والمالي اللبناني، ولم يعد له علاجات سوى بالدواء المر وتجرُّع العلقم، بسبب تخلّي الاطباء من اصدقاء ودول عربية وبعض الدول الصديقة، وترك لبنان في اصعب ظروف اقتصادية ومالية ونقدية وأزمة اجتماعية انسانية لا سابق لها في تاريخه الحديث.

كل الأزمات جاءت نتيجة الهدر والصرف بدون حساب تقوم به إدارة منتفخة وغير كفؤة، ونتيجة غياب الشفافية في الشراء والتلزيمات في القطاع العام، ونتيجة إقصاء دور دائرة المناقصات العمومية.

 

الأهم من كل هذا، غياب الرؤية الاقتصادية وعدم تفاعل وتواصُل الوزارات المعنية، بل تنافرها في ما بينها وتعطيل اي ايجابية وعن كامل تصوّر وتصميم، بما أدّى الى تعطيل المالية العامة وتراجع النمو، كما الى انكماش اقتصادي رهيب.

 

ونتيجة غياب سياسات مالية واضحة، وتخبُّط في زيادة الضرائب في اقتصاد متوقف عن النمو، أصبحت عملية تمويل الدولة قائمة على الاستدانة وبأي ثمن ومهما ارتفعت الفوائد، لأنّه لم يعد يوجد اي مصدر لتمويل القطاع العام الّا الاستدانة.

 

كذلك انتفت رغبة الصناديق الاستثمارية والمؤسسات المالية العربية والعالمية في إقراضنا، بسبب ارتفاع المخاطر على ديون الدولة السيادية وانعدام الثقة في النظام اللبناني الريعي الفاقد للشفافية والحوكمة، ونتيجة الهدر الواضح في قطاعات الدولة.

 

رغم كل ما تقدّم، لم تعمد الدولة الى مراجعة ذاتية ولم تتنبه الى ما يحصل وكأنّه قدر. بل ذهبت الى الامام في الاستدانة من الداخل من كل حدب وصوب، من المصارف واموال المودعين، من صندوق الضمان الاجتماعي واموال العمال والموظفين، من تأخير وعدم دفع مستحقات البلديات والمستشفيات والمقاولين، وايضاً من عدم دفع المستحقات المتوجبة عليها لصندوق الضمان الاجتماعي عن موظفي القطاع العام.

 

وخطورة الدين الداخلي كبيرة ولم يتنبّه اليها احد لغاية اليوم، وهذا ما ادّى الى هذا التعثّر في سيولة المصارف نتيجة انكشافها الكبير على ديون الدولة الهالكة. وهنا اصبحت اموال المودعين مجرد ارقام في دفاتر المصارف، واصبحت اموال المصارف مجرد ارقام في حسابات الدولة، واصبحت اموال الدولة في جيوب قطاعها العام ومقاوليها، من بواخر الكهرباء ومكبات النفايات وفوائد ديونها المتراكمة على اصل دينها، الذي اصبح اكبر من حجم اقتصادها بضعفين.

 

يبدو اليوم، انّه لا مفرّ من الدواء المر الذي يشبه العلقم، اذا كنا جدّيين في معالجة المشكلة من أساسها، والّا تفشّى المرض وأدّى الى قتل المريض. الاجراءات الخشنة والتقشّف وتصغير حجم القطاع العام وتخفيف التقديمات وتوقيف الاستثمار العام لفترة معينة، تبقى افضل بكثير من انهيار تام يذهب بكل شيء بما فيه الاستقرار الأمني والاجتماعي والمالي والنقدي.

 

ختاماً، لا إمكانية مطلقاً للنهوض من دون استقدام دعم مالي خارجي. وبعد إحجام الدول العربية، حتى عن الترحيب بالحكومة الجديدة، سوف يكون من الحماقة انتظار دعم مالي للاقتصاد اللبناني من هذه الدول. اما انتظار الدعم من الدول الغربية، فهذا لن يكون متاحاً الّا بشروطها القاسية، وهي وشروط لا تختلف كثيراً عن شروط صندوق النقد الدولي.

 

لذلك يجب على الحكومة الجديدة واختصاراً لمعاناة اللبنانيين، وكسباً للوقت الثمين المحسوب بالأيام وليس بالاسابيع لما قبل الانهيار التام، ان تبادر الى الجلوس مع صندوق النقد الدولي للحصول على الدعم المالي والتقني والإرشادي والإداري، ضمن حفظ السيادة الاقتصادية والمالية، والحرص على عدم منح الصندوق حق التدخّل في أي امور داخلية او حتى التلميح بالتدخّل، وهذا حق سيادي للبنان. هذا الحق غير قابل للنقاش، وحتى يجب ان يكون خارج صلاحية فريق التفاوض الذي له الحق في استقدام المساعدة المالية والتقنية حصراً.