لم يبق في يد السلطة اللبنانية إلاّ “الخرطوشة” الأخيرة في مسار وقف مسلسل الإنهيار المالي والإقتصادي، وهي الإستعانة بصندوق النقد الدولي لكن وفق شروطها وليس شروطه.
شكلت فضيحة تفاوت الأرقام بين الحكومة اللبنانية والمصرف المركزي خلال جولات المفاوضات السابقة مع صندوق النقد ضربة لمسار تلك المفاوضات، إذ إن الإنطباع الدولي كان أنّ الدولة اللبنانية لا تعرف أرقامها المالية وحجم خسائرها.
وفي السياق، فإن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أصرّ على توحيد تلك الأرقام والمعطيات، وباشر سلسلة لقاءات أبرزها كانت مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على انفراد، من ثم تشاور مع رئيس الحكومة حسان دياب، قبل أن يعقد الإجتماع المالي في قصر بعبدا أمس الخميس برئاسته، وحضور كل من سلامة ودياب ووزير المال غازي وزني والمدير العام لوزارة المال ألان بيفاني وعدد من المستشارين، وقد ركّز على البحث في مسار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي في شأن خطة الحكومة للتعافي المالي.
ويعتبر رئيس الجمهورية أن الأساس هو توحيد الأرقام “لنعرف خسائرنا وأرباحنا”، وكي نخرج ونتحدّث مع صندوق النقد الدولي بخطاب واحد ونقدّم ورقة موحّدة، لا أوراقاً متضاربة تضرّ بالمصلحة الوطنية، وبالتالي فإن الإتفاق كان على أن تتكثف الإجتماعات والأرقام من أجل الوصول إلى الغاية المنشودة، وعدم الدخول في سجالات الأرقام بل حلّ تلك الإشكالية والإنطلاق في مسار جديد من المفاوضات.
ويجرى العمل حالياً على دراسة كل الملف المالي وإعادة تصويب البوصلة للقضاء على هامش التفاوت في الأرقام، وهذا الأمر يحتاج إلى مراجعة كل فريق لمستنداته وأرشيفه من ثمّ مقارنة تلك الأرقام، مع الإصرار على أن تكون تلك الدراسة علمية وتعتمد الأرقام الموضوعية بعيداً من التضليل والتضخيم، فالشعب اللبناني قبل الخارج يريد أن يعرف حجم خسائره، ولا يمكن رمي الأرقام جزافاً في هذا الوقت الدقيق.
من المفترض حسب أجواء المجتمعين في بعبدا أمس الخميس، أن تكون الجهات المعنية قد توصّلت إلى تقدّم كبير في توحيد الأرقام قبل إجتماع الإثنين، الذي سيُعقد أيضاً في بعبدا برئاسة عون لبتها نهائياً وذلك تسهيلاً للمفاوضات مع صندوق النقد، في حين أن النقطة الأخرى التي يجري العمل عليها بعد الإنتهاء من قضية التفاوت في الأرقام هي مسار المفاوضات. ودلّت أجواء المجتمعين بالأمس على أنّ المفاوضات مع صندوق النقد ليست سلبية، لكنها في المقابل لم تحرز التقدّم الذي يطمح إليه المسؤولون والشعب على حدّ سواء، والإيجابية التي تُسجّل حذرة جداً، فكما يطالب القيمون على مؤتمر سيدر 1 بالقيام بإصلاحات، فإن “صندوق النقد” هو الآخر يطالب بعدد كبير من الشروط كممرّ إلزامي لتقديم العون إلى لبنان، وأبرز تلك المطالب تحقيق الإصلاح في المؤسسات ووقف الهدر والفساد وإدارة الدولة بشفافية، ووقف التهريب سواء عبر المعابر غير الشرعية أو الشرعية مثل المطار والمرفأ، وبالتالي فإن الحكومة اللبنانية لم تقدم على خطوات جريئة في هذا الإتجاه. وعلى رغم أن الأجواء في بعبدا بعد الإجتماع لم تكن سوداوية إلا أن مسار تفاوض لبنان مع صندوق النقد لا يزال ضبابياً، خصوصاً أن هناك جهات نافذة وعلى رأسها “حزب الله”، لا تحبذ اللجوء إلى هذا الخيار حتى الآن.بيان بعبدا
وكان المدير العام لرئاسة الجمهورية الدكتور انطوان شقير قد تلا بيان اجتماع بعبدا المالي، وأشار إلى أنه تم التباحث بالارقام والمبالغ الواردة في التقارير الصادرة عن وزارة المال ومصرف لبنان، والتي يتم الإرتكاز عليها خلال المفاوضات الجارية بين فريق عمل وزارة المال وصندوق النقد الدولي، إنطلاقاً من خطة التعافي التي أقرتها الحكومة.
وأضاف: “بعد التداول، واستناداً الى جداول مقارنة، تمّ الاتفاق على إلزامية توحيد الارقام وفقاً لمقاربة واحدة”.