لا يوجد سبب بعد لتوقُّع حدوث انفراج في الأزمة الاقتصادية في لبنان. هذا ما قالته المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا أمس، وهذا ما يشير إليه إرتفاع سعر صرف الدولار، مقابل الإنهيار السريع لسعر صرف الليرة اللبنانية. وتقول جهات سياسية داخلية عدّة، ومنها داعمة للحكومة، إنّ «عجز السلطة والحكومة عن الحدّ من الإنهيار وعن اتخاذ قرار إصلاحي واحد جدّي، يعيد لبنان الى الطريق الآمن، سيعمّقان أزمة البلد، إذ إنّ أصحاب القرار السياسي لم يستوعبوا بعد أنّه لم يعد هناك مجال لتجنُّب إجراء إصلاحات هيكلية حقيقية، فيما لا حلّ إلّا بـ»الرضوخ الإيجابي» لمطالب الخارج لجهة تطبيق الإصلاحات.
قال مسؤول في مؤسسة دولية لوزير على رأس وزارة خدماتية مباشرة وبصراحة: «إننا لن نكون شركاء في أجنداتكم السياسية»، وذلك بعد 3 رسائل سلبية أظهرها أداء السلطة والحكومة أخيراً، وتكمن في كسر قرار الحكومة في ما يتعلّق بخطة الكهرباء وفرض شمل المرحلة الأولى من الخطة معمل سلعاتا، ردّ التشكيلات القضائية وطريقة التعيينات الإدارية الأخيرة من دون إعتماد الآلية القانونية التي أقرّها مجلس النواب. ويقول غالبية السفراء الذين يلتقون مسؤولين لبنانيين إنّ كلّ هذه العوامل تشير الى غياب نيّة جدّية لدى لبنان بإصلاح أدائه و»تغيير عاداته العاطلة».
وتؤكّد جهات سياسية، على تماس مع سفراء وديبلوماسيين غربيين، أنّ قرارات الحكومة الثلاثة هذه، تركت إنطباعاً سيئاً وسلبياً لدى الجهات الخارجية، إذ إنّها مرتبطة بالإصلاحات المطلوبة من الخارج ومن صندوق النقد الدولي، وهي إستقلالية القضاء وإصلاح قطاع الكهرباء والشفافية في الإدارة وتطبيق القوانين.
وكانت مجموعة الدعم الدولية للبنان أبلغت الى الحكومة رسمياً، أنّ «هناك 3 ملفات نريد التأكّد من أنّها ستشهد الإصلاحات والإجراءات اللازمة لكي نؤمّن الدعم للبنان، وهي أولاً الكهرباء، ثانياً استقلالية القضاء وثالثاً قانون الشراء العام». الأمر الذي يدلّ في وضوح الى أنّ ما يطلبه الخارج هو قضاء مستقل، ووقف مزرابي الهدر الأساسيين: الكهرباء والمناقصات.
وتقول مصادر مطلعة على موقف السفراء الغربيين، إنّ «لبنان لن يتمكّن من التقدم إلّا عندما يترك انطباعاً أنّه دولة قانون ومؤسسات، وأنّ المسؤولين جميعاً يحتكمون الى القانون، لا أن يستمرّ تعطيل المؤسسات مثل الكهرباء و»أوجيرو»، والذي أدّى الى سرقة مليارات الدولارات». وتشير الى أنّه على رغم ذلك لم يُعيّن حتى الآن رئيس مجلس إدارة جديد لمؤسسة الكهرباء، ولا يُعتمد قانون الشراكة الذي ينصّ صراحة، على أنّه تخضع لهذا القانون وخلاف أي قانون آخر، كلّ مشاريع الشراكة بما فيها الشراكة في قطاعي الكهرباء والاتصالات». وتسأل: «في وقتٍ لا يتقيّد المسؤولون المعنيون بالقانون، كيف سيثق العالم بنا؟».
وتؤكّد أنّ الأساس في التفاوض مع صندوق النقد الدولي ليس أرقام خسائر الدولة المالية، التي أُغرق البلد في متاهاتها، فهذه الأرقام يمكن ترتيبها لتوحيد الموقف اللبناني، بل إنّ الأساس هو الإصلاحات، وبلا إصلاحات لا برنامج من صندوق النقد. وإنّ ممثلي الصندوق يسألون في كلّ الإجتماعات مع المسؤولين اللبنانيين: أين التوجّهات الإصلاحية؟
وتوضح المصادر نفسها، أنّ هناك ثلاثة أسباب رئيسة ومهمة تحتّم أن يكون لبنان حريصاً على الوصول الى اتفاق مع صندوق النقد:
ـ الأول، إنّ لبنان في حاجة الى قروض للحصول على العملة الصعبة لتحسين وضع ميزان المدفوعات، فالمساعدات الموعودة من مؤتمر «سيدر» لا تدرّ الأموال نقداً الى الدولة بل تموّل مشاريع، فيما أنّ صندوق النقد يعطي أموالاً نقدية، قد تكون ملياراً أو ملياري دولار سنوياً، الأمر الذي سيؤدي الى ردم الخلل في ميزان المدفوعات وضخ الدولار في السوق.
ـ الثاني، من دون فيزا أو مفتاح صندوق النقد لن يتمكّن لبنان من التوجّه الى جهات خارجية أخرى، للحصول على مساعدات وقروض وأموال. وعلى سبيل المثال، إذا كانت ألمانيا أو شركة «سيمنز» ترغب في تمويل مشاريع الكهرباء في لبنان، فهي لن تفعل إذا فشل لبنان في الإتفاق مع صندوق النقد، وإنّ غالبية السفراء في لبنان يقولون للمسؤولين المعنيين: «إتفقوا مع صندوق النقد».
ـ الثالث، إنّ الإتفاق مع صندوق النقد يُشكّل أداة فعّالة تُجبر الدولة اللبنانية على إجراء الإصلاحات اللازمة، إذ لا أموال بلا إصلاحات.
وبالتالي، إنّ كلّ الطرق تؤدي بلبنان الى صندوق النقد. وخلاف ذلك، يخدع لبنان نفسه، حسب المصادر إيّاها، التي تقول: «لا يُمكن وقف إرتفاع سعر صرف الدولار بإجراءات تقنية وأمنية، والحلّ الوحيد هو إعادة الثقة داخلياً وخارجياً». وتسأل: «كيف نستعيد الثقة إذا كانت خطة الحكومة الإصلاحية تفتئت على المودعين، في حين أنّ لبنان يعتمد على أموال المغتربين ومدخراتهم التي يودعونها في المصارف، وهذا منذ نحو 45 عاماً»؟.
وتعتبر أنّ سعر صرف الدولار يواصل الإرتفاع مقابل انخفاض قيمة الليرة اللبنانية بنحوٍ دراماتيكي، لأنّ الأداء السياسي ـ الإداري سيئ وفاشل على كل المستويات، والحكومة تتخبط في كلّ الملفات، ما يعزّز فقدان الناس الثقة في الدولة. فحتى من يملك الدولار يُسارع الى شراء مزيد منه، فيما أنّ مقاربة جديدة لبناء الدولة وتحسين الأداء سيعيدان الثقة الداخلية والخارجية، ويؤدّيان الى ضخّ الدولار مجدداً والحدّ من إنهيار الليرة.