إختُصِرَت الإصلاحات التي يطلبها اللبنانيون، ويُلِحُّ عليها المجتمع الدولي ومؤسّساته، بعملية مُحاصصة في الإدارة، وتبشيرٍ مُتواصل بأهمّية العودة الى زراعة البلاكين والسطوح.
والنتيجة بدت مُريعة. من جهة انهيارٌ مُتواصل للعُملة الوطنية، وإقفال المزيد من المؤسسات، وانضمام الألوف الى جيش العاطلين عن العمل. ومن جهة ثانية، قَرَف عالمي من حكّام لبنان جعل وفد صندوق النقد الدولي يوقِف مفاوضاته مع الحكومة اللبنانية إثْرَ 16 جولة من المباحثات غير المُجدية، وصراخ وزير خارجية فرنسا جان ايڤ لودريان في وجه المسؤولين اللبنانيين قائِلاً: ساعدونا كي نتمكّن من مساعدتكم..!
وقف الصندوق عملية التفاوض، سبقه شعوره بعدم جدوى البحث مع مُمثّلي مافيا لا تُقيمُ وزناً لمصالح بلدها وشعبه، وقد عبَّرتْ رئيسة الصندوق عن حزنها، في كلام لم يَقُلْ مثله مسؤول لبناني في أي وقت، عندما صرَّحت: قلبي ينفطر حُزناً على هذا البلد.
العالم يبكي على لبنان وشعبه الخلاّق والمُبدع أينما حلّ، والسلطة الحاكمة في لبنان تنشغِل بتأبيد مكاسبها الخاصة، وتُحرّك أجهزتها الرسمية وغير الرسمية، في ملاحقة الشباب بسبب انتقاد من هنا أو هناك، تستدعي صحافيين يُلاحقون الفساد، وتهوِّل على ناشطين في الإنتفاضة العامة، تارة بالتعامل مع السفارات (الغربية تحديداً)، وطوراً بالتعامل مع العدو الصهيوني الغاصب، حسب التسمية العربية والعجمية السائدة منذ ثلاثة أرباع القرن.
وفي الموازاة، تتكرّر حوادث الإعتداء على الحرّيات العامة، من ميليشيات أحزاب السلطة نفسها، فما لا يقوم به جهاز رسمي يتولّاه أنصار هذا أو ذاك، ما يزيد المشهد العام سواداً على سواد.
انّه الإفلاس الأخلاقي العام. هذا ما يُمكن أن تُوصَف به قوى السلطة. فبعدما قادت البلد الى الفقر والعوز، لتملأ صناديقها وتورِث أبناءها، ها هي بكلّ وقاحة لا تُقيم وزناً لمعنى التحذيرات الدولية، ولا للحرص الدولي والعربي على لبنان، وهي تُمعن في سياسات تهدر ما تبقّى من احتياطي مالي، وتحت عنوان دعم الزراعة، تصرف ما تبقّى من أموال البنك المركزي على دعم مواد مُستوردة، قسمٌ كبير منها يُنتجه لبنان ومنها زيت الزيتون!