IMLebanon

صندوق النقد غاضباً: احترِموا ذكاءنا!

 

 

بين الحكومة اللبنانية وصندوق النقد الدولي «مش ماشي الحال»، وكل تسريبات المسؤولين في هذا الشأن تبقى مجرد أوهام أو ذرّاً للرماد في العيون. وليس في الأفق ما يوحي بأنّ الصندوق موافق، حتى على الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع لبنان.

في المعلومات، أنّ فريق صندوق النقد الدولي المكلَّف بالتواصل مع الحكومة اللبنانية عبَّر في اللقاءات الأخيرة، «أونلاين»، عن غضبه الشديد من سلوك المسؤولين اللبنانيين الذي يتصف بالمخادع. ويتجنّب الصندوق أن يجاهر بهذا الغضب لأنّه يرغب في استنفاد الفرص، لعلّ شيئاً يتغيَّر في سلوك هؤلاء. ولكن، على الأرجح، سكوتُه لن يطول.

وفق المعلومات، استخدم ممثلو الصندوق لهجة حادَّة في مخاطبتهم الجانب اللبناني في الاجتماعات الأخيرة، وقالوا لهم: «احترِموا ذكاءنا على الأقل. فالخطة التي تدَّعون أنّها للإنقاذ ليست في الواقع سوى لعبة أرقام خادعة بأسعار الدولار، تصيب فئات واسعة من الشعب، وتقودها إلى المزيد من الإفقار، وليس فيها شيء من الإصلاحات الموعودة، عدا عن الشكوك في إمكان تطبيقها.
وهذا يعني أنكم تطلبون من الصندوق تزويدكم بالملايين من أجل استكمال مسار الفشل، ولسنوات عديدة أخرى، وسيغرق البلد خلالها في مزيد من الركود. فأين هو برنامج الإصلاح الموعود؟ وكيف سيتحقق الإنقاذ في هذه الحال؟».

وأضاف ممثلو صندوق النقد: «كنّا ننتظر أن يكون رحيل حكومة حسّان دياب، ومعها الخطّة المالية والاقتصادية التي وضعتها، مناسبة لإطلاق خطة جديدة جديرة بتحقيق التعافي. ولكن، تبيَّن لنا أنّ الأمور في لبنان تسير نحو الأسوأ، وأنّ القيِّمين على الحكومة الحالية هم أقل حرصاً على مصالح الشعب من أسلافهم، وأنّ كل ما يحاولون فعله هو إمرار الخطط على حساب الفئات الفقيرة والمتوسطة وإنقاذ ذوي الثروات».

واستتباعاً، رفع ممثلو صندوق النقد أصواتهم احتجاجاً على تحميل المودعين الصغار أثمان عملية التعافي، وقالوا إنّ الحكومة ليست مضطرة إلى اعتماد هذا الخيار، وأمامها الكثير مما يمكن فعله، لكنها لا تفعل.

واستغرب هؤلاء الانتقادات التي يوجّهها العديد من أركان السلطة إلى صندوق النقد، تحت عنوان أنّ معاييره لا تراعي الفئات المتوسطة والمحدودة عادةً، وأنّ ما يهمّه هو فقط نجاح خطط التعافي. وسألوا أركان السلطة: كيف تجرؤون على إطلاق هذا الكلام فيما تنفّذون اليوم إجراءات قاسية جداً واستنسابية، وأوصلت فئات واسعة إلى أوضاع اجتماعية رديئة، وهي إجراءات أقسى بكثير من تلك التي يطلبها الصندوق؟ وفوق ذلك، إجراءاتكم تزيد التأزيم ولا تؤدي إطلاقاً إلى الإنقاذ.

طبعاً، لم يكن لدى المفاوض اللبناني أي ردّ على هذا الكلام، وبدا مصاباً بالإرباك، ولكنه أثار مسألة أخرى. فقد أبدى انزعاجه من تسريب وقائع المشاورات الجارية بينه وبين ممثلي الصندوق، وسأل: من يقوم بهذا التسريب؟ وعبّر الجانب اللبناني عن رغبته في إبقاء مضمون المناقشات الدائرة طي الكتمان، إلى أن يتمّ الإعلان رسمياً عن خطة التعافي والاتفاق مع الصندوق.

لكن الاعتراض اللبناني ليس في محلِّه بالنسبة إلى ممثلي الصندوق الذين ردّوا بالقول: «على العكس، نحن نفضّل أن يطَّلع الرأي العام على كل التفاصيل، وأن يبدي رأيه في كل نقطة يدور النقاش حولها، لأنّه المعني أولاً بالقرارات». ففي كل الدول التي يتدخّل الصندوق لمساعدتها، هو لا يفرض اتفاقاً «من فوق»، بل يستمع بشفافية إلى الآراء المختلفة، ليأتي الاتفاق مع الحكومات بعد نضوج النقاشات ومراعاة المصالح الحيوية لجميع المعنيين.

وهذا الغضَب، الذي عبَّر عنه ممثلو صندوق النقد، يتقاطع مع الاتهام الذي أطلقه البنك الدولي أخيراً لمنظومة السلطة بارتكاب الفساد في شكل متعمَّد. وهو ما يوحي بأنّ الفساد اللبناني سيتحوَّل ورقةً تلعبها القوى الدولية والإقليمية، وستكون مفاعيلها مصيرية بالنسبة إلى لبنان. وفي السياق، كان لافتاً أنّ شبكة CNN خصَّت أخيراً ملف الفساد اللبناني بتقريرٍ في أوسع برامجها انتشاراً، «فريد زكريا»، الذي يصل إلى عشرات الملايين عبر العالم.

وهذه المناخات تواكب تسارع المواقف الأوروبية الآخذة في التشدُّد إزاء منظومة الفساد اللبناني، وعمليات التدقيق التي يطلبها الأوروبيون من المعنيين بالمسائل المالية والمصرفية، والملفات المفتوحة في لوكسمبورغ وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وبلجيكا وسويسرا.

وعُلِم من أوساط متابعة، أنّ لبنان تلقّى، قبل فترة، تأنيباً قضائياً من الاتحاد الأوروبي، على خلفية التعطيل المتعمَّد لعمليات التدقيق التي طلبتها دول أوروبية عدة، والهادفة إلى التقصّي عن مكامن فسادٍ ترتبط بدعاوى مفتوحة هناك، وتتعلق بتحويلات مالية ضخمة، وبجوانب حسّاسة من عمل القطاع المصرفي اللبناني.

ويولي الأوروبيون هذه المسائل المالية والمصرفية أهمية خاصة. وقد عبّروا للبنان عن استيائهم من تعطيلٍ واضح ومباشر لمهمَّة الجسم القضائي في التحقيق، ومنعِه من الوصول إلى كشف مكامن الفساد. ومن شأن هذا المناخ أن يعمِّق حال انعدام الثقة التي باتت راسخة لدى الأوروبيين تجاه منظومة السلطة السياسية والمالية والقضائية في لبنان. ويُتوقع أن تتوالى تداعيات هذا التأنيب القضائي الأوروبي في الأيام المقبلة.

إذاً، إنّه الفساد اللبناني العتيق و«الممنهج». وإذا لم تكن للبنانيين القدرة (أو الإرادة) لاقتلاعه، فالقوى الإقليمية والدولية جاهزة لاستثماره في أي لحظة.