عندما سئل رئيس وزراء «ماليزيا» «مهاتير محمّد» عن سر نهضة بلاده، قال: «خالفتُ توصيات صندوق النّقد الدّولي، وفعلتُ عكس ما طلبه من إجراءات».
شهادة رئيس وزراء ماليزيا تشكّل إضافة عمليّة إلى السّمعة السّيئة الّتي ترافق اسم «صندوق النّقد الدّولي» منذ تأسيسه عام 1945 بعيد انتهاء الحرب العالميّة الثّانية بهدف إعادة بناء وتنشيط اقتصادات الدّول المتضرّرة جرّاء الحرب المدمّرة،
وككلّ المؤسّسات الدّوليّة الّتي ترعاها الأمم المتّحدة والدّول الكبرى فإنّ وصفات صندوق النّقد «سمّ» للشّعوب الفقيرة والنّامية و «عسل» لشعوب الدّول الكبيرة والمؤثّرة في السّياسات الدّوليّة، والأمثلة على ذلك كثيرة وظاهرة، وأبرزها نقمة الأرجنتين ونعمة البرازيل.
وبعيدًا عن نظريّة المؤامرة الّتي نبرع في استحضارها كلّما حلّت بنا كارثة، نقرأ في كتاب الخبير الألماني «أرنست فولف» «صندوق النقد الدولي قوة عظمى في الساحة العالمية» كلامًا خطيرًا حول سياسات الصّندوق وشروطه، على الدّول الضّعيفة طبعًا، فيقول: «تبدو تدخّلات صندوق النّقد الدّولي في الواقع أشبه ما تكون بغزوات جيوش متحاربة، ففي كل تدخلاته ينتهك سيادة الدول، ويجبرها على تنفيذ إجراءات ترفضها الأغلبية العظمى للمواطنين، وتخلّف وراءها مساحة عريضة من خراب اقتصادي واجتماعي. وفي كل هذه التدخلات لم يستخدم الصندوق أسلحة أو جنوداً، بل كان يستعين بوسيلة غاية في البساطة، وبواحدة من آليات النظام الرأسمالي، أعني عملية التمويل».
ولكن، ماذا عن لبنان؟
بطبيعة الحال فإنّ اللّبنانيين لا تنقصهم الجيوش والغزوات للتّخريب والتّدمير، فقد فعلت ذلك السّلطة اللّبنانيّة نفسها وسوّت الاقتصاد اللّبناني بالأرض في أسوأ أزمة ماليّة واقتصاديّة شهدها العالم منذ 150 عامًا حسب تقرير «البنك الدولي» الذي نشرته صحيفة «The Intelligencer» الأمريكية في شهر حزيران من العام الماضي، ووجد الوفد المفاوض نفسه أمام حالة فريدة، مخاطبا فريق التفاوض اللّبناني: «إنّها المرة الأولى التي نواجه فيها على الكرة الأرضية حالة كحالتكم حيث الدولة والبنك المركزي والمصارف مفلسة»؛ وتابع: «سنعمد الى تدريس هذه الظاهرة في معاهدنا التدريبية للدلالة على سلوك الدولة الفاشلة» في إشارة إلى تقاعص السّلطة اللّبنانيّة عن المسارعة في البدء بوضع خطّة لمعالجة أزمة كارثيّة عصفت بكلّ مفاصل الدّولة الاقتصادية والمالية على مدى أكثر من سنتين ونصف!
المثير للدّهشة في لبنان «المدهش» أنّ خبراء الصّندوق «سيّء السّمعة» كانوا أحرص على الشّعب اللّبنانيّ من المسؤولين اللّبنانيين، فرفضوا العديد من الاقتراحات اللّبنانيّة الّتي رأوا فيها إمعانًا في ارتكاب الجرائم الماليّة بحقّ المودعين ومحاولة تذاكي وتحايل للتّهرّب من توزيع الخسائر بطريقة عادلة وتراتبيّة بين الدّولة والمصرف المركزيّ والمصارف ليحمّلوها كاملة إلى المودعين.
الحسنة الوحيدة في لجوء لبنان إلى صندوق النّقد الدّوليّ أنّ الصّندوق أثبت فشل السّلطة اللّبنانيّة وفسادها بل وإجرامها بحقّ اللّبنانيين.
ومن هنا يساور الشّكّ كثيرًا من المتابعين في تواطؤ صندوق النّقد الدّوليّ مع السّلطة اللّبنانيّة في توقيع الاتّفاق المبدئي قبيل الانتخابات النّيابيّة قافزًا فوق عدد من الشّروط المسبقة التي كان طالب بها، ومنها إقرار القوانين وعدم الاكتفاء بالتّعهّدات الغير ملزمة.
فهل يطير الاتّفاق بعد اجراء الانتخابات النّيابيّة؟
يجزم كثيرون بهذه الفرضيّة، فليس من المنطق، في العقليّة اللّبنانيّة، أن يضع المسؤولون عن الجرائم الماليّة رقابهم تحت مقصلة المحاسبة المحلّيّة والدّوليّة، والمبلغ المرصود، 3 مليار دولار، لا تسدّ الرّمق، ففي تكوين العقل السّياسيّ اللّبنانيّ هناك رهان مستجدّ على تسوية إقليميّة قادمة، برزت مؤشّرات عدّة حول قرب اتمامها، ليس آخرها عودة سفير المملكة العربيّة السّعوديّة إلى لبنان والهدنة في اليمن والحديث عن استئناف المفاوضات الثّنائيّة بين إيران والسّعوديّة، كلّ ذلك على أعتاب توقيع الاتّفاق النّووي في فيينا.