Site icon IMLebanon

الصندوق كوصيّ دوليّ أرحم على اللبنانيين من المسؤولين أنفسهم!

 

وقائع الأيام الأخيرة أظهرت أن ثمة مَن يَجهد لعرقلة البرنامج ونصب الأفخاخ

 

 

قد تكون تطورات اليومين الفائتين أجمل من أن نصدّق too good to be true. فاللبنانيون فقدوا أي اعتقاد بقدرة الدولة العميقة ورغبتها في إحداث تغييرات جذرية في أسس النظام سياسيا وإقتصاديا.

 

والحقيقة المرّة أن فاقد الشيء (والشيء هنا يعني فعليا ومجازيا النزاهة والتجرّد والمسؤولية والحس الوطني) لا يعطيه، وأن مسار التفاوض في الأسابيع الفائتة مع صندوق النقد الدولي والأفخاخ التي نصبها مسؤولون كبار وبعض من في الفريق الحكومي المفاوض وما تحلّوا به من نوايا سيئة وقلة مسؤولية ومحاباة لحزب المصارف والهيئات الإقتصادية على حساب المودعين (صغارهم تحديدا)، تعزّز الإعتقاد العام بأن ثمة من يبدّي مصالحه الضيقة على المصلحة العامة، وهو لا يعدم فرصة أو خطوة من أجل ترجيح مصلحته وميله النفعيّ.

 

فريق الدولة – المنظومة بقي يناور ويتذاكى إلى أن وقع الكأس على الرأس فرضخ هؤلاء

 

ويفترض الإنصاف أن يُمنح الفريق الرئاسي تحديدا التقدير للجهد الذي بذله من أجل تغيير الكثير من المعطيات وإبطال الكثير من الأفخاخ وسد الكثير من الفجوات، مما أسهم جذريا في الوصول الى الإتفاق على مستوى الموظفين staff-level agreement. ويبقى الأهم من كل ذلك توقيع البرنامج مع صندوق النقد، ومن ثم الإنخراط في آلية واضحة وشفافة لتطبيق الشروط المسبقة التي وضعها الصندوق، وهي شروط إصلاحية على لبنان تنفيذها تدرّجا كخطوة لازمة كيّ يسيّل المليارات الثلاثة دفعة إثر دفعة.

 

والحقيقة المرة أيضا تفترض الإفصاح بأن حال اللاثقة بالدولة العميقة لا تقتصر على اللبنانيين. فبعثة الصندوق هي الأخرى لم تخفِ ميلها هذا، وسبق أن اتهمت جهارا مسؤولا ماليا كبيرا بالإجرام ربطا بإجراءات القصّ التي تلتهم شهريا أكثر من 80% من رواتب اللبنانيين وودائعهم.

 

وصارت البعثة على يقين، تأسيسا على عملها في الأعوام الثلاثة الفائتة، بأن كثرا من المسؤولين، بعضهم في مراكز قيادية رفيعة سياسية ومالية، لا يريدون البرنامج ولا يرغبون في تسهيله ولا حتى السماع بإسم الصندوق من أصله. لذا أصرّ مجلس إدارته على أن يسبق توقيع الـ staff-level agreement التزام رسمي صريح بالاتفاق، من رئاسة الجمهورية ومن رئاستي مجلس النواب والحكومة. فكان أن حصل التوقيع في بعبدا، بمشاركة رئيس الحكومة. وكان أن صدر مباشرة بعده بيان رئيس المجلس.

 

ما قد يحدّ من تأثير عامل لا ثقة الداخل والخارج بالدولة العميقة، أن الصندوق بات بمثابة حارس قضائي دولي على لبنان، لا بل وصيّ عليه، إقتصاديا في حدّ أدنى. وستكون لبعثته كامل الصلاحية لمراقبة دورية كل 3 أشهر تتأكد خلالها من تنفيذ لبنان التزاماته. وهي تقع على شاكلة شروط مسبقة تناهز الـ37. ولن يتيح الصندوق للبنان الإفادةَ من أي مبلغ ما لم تتأكد بعثته من أن كل شرط ينفّذ تباعا.

 

كان يُفترض أن يوقَّع الإتفاق على مستوى الموظفين في 20 كانون الأول 2021، على أن يوقَّع البرنامج ويدخل حيّ التنفيذ مطلع نيسان حدّا أقصى، وهو ما كان لبنان قد تبلغه مرارا من الصندوق ومن فرنسا راعية رئيس الحكومة،. لكن الدولة – المنظومة انخرطت في لعبة تذاكٍ ومماطلة. وظلّ بعض الفريق الحكومي المفاوض يناور الى أن وقع الفأس في الرأس، فإضطُر المعنيون الى الرضوخ، وإن تبقى الخشية من أن يكون رضوخهم لتمرير مرحلة لا اقتناعا بوجوب تحقيق الإصلاحات الإقتصادية والمالية، وكلها تتطلب مجلسا نيابيا فاعلا راغبا في التشريع، يخرج من حال السبات التي اُدخِل فيها على إمتداد الأعوام الأربعة الفائتة. ولا تشفع للمجلس جلسات تشريعية لا تتعدى أصابع اليدين، لم تنخرط في الإصلاحات الملحة المطلوبة، كحال الكابيتال كونترول الذي كان يجب صدوره مباشرة عند بدء الأزمة، أي نهاية العام 2019، او كحال إقتراح قانون إستعادة الأموال المحوّلة الذي لا يزال عرضة للمماطلة في اللجان النيابية المشتركة، تأجيلا وراء تأجيل برعاية من لا يريد له أن يبصر النور، كل ذلك بداعي فقدان النصاب. وهذا هو الإسم الحركيّ لتغيّب النواب قصدا عن حضور الجلسات كي لا تلتئم اللجان لإقراره وتحويله إلى الهيئة العامة. وفي ذلك فضيحة موثّقة وتقصير فاضح ومشهود يفترض بناسهم، وكل متضرر من تبخير الودائع، أن ينزلوا بهم القصاص العادل.

 

ولا يخفى أن الأموال المحولة الى الخارج تناهز الـ22 مليار دولار، ومن شأن إستعادتها أن تكفي لإعادة أموال الغالبية العظمى من المودعين.

 

كما لا يخفى أن الصندوق كان أكثر رأفة باللبنانيين من بعض الفريق الحكومي المفاوض. إذ أصر الصندوق على أن تتضمن أي خطة للتعافي وتوزيع الخسائر حماية الودائع التي تقلّ عن الـ100 ألف دولار، وهو ما عارضه بشدة وعناد مسؤولون لبنانيون قبل أن يرضخوا.