إعلان وزيري النفط السعودي خالد الفالح والروسي ألكسندر نوفاك ضرورة تمديد خفض إنتاج الدول الأعضاء في أوبك وخارجها رفع سعر النفط أكثر من دولار في لندن. والمتوقع أن يمدد وزراء أوبك مع نظرائهم الأسبوع المقبل في فيينا اتفاقية الخفض التي كانوا قرروها في كانون الأول (ديسمبر) الماضي بمليون ونصف برميل من النفط في اليوم. والأمل من هذا التمديد هو إزالة الفائض النفطي الذي لا يزال موجوداً بسبب ارتفاع مخزون النفط العالمي، الذي بلغ ٢٧٦ مليون برميل أكثر من معدله خلال خمس سنوات.
ولكن كيف ستجابه أوبك زيادة النفط الصخري الأميركي الذي يزداد بسرعة، خصوصاً إذا ارتفع سعر برميل النفط إلى لأكثر من ٥٠ أو وصل إلى ٦٠ دولاراً؟ الشركات الأميركية جاهزة للعودة إلى الإنتاج فوراً، وقد بدأت تزيد إنتاجها في شكل كبير. فقد زاد إنتاج النفط الأميركي إلى نصف مليون برميل شهرياً، وقد يستمر ويزيد إذا تحسن السعر. فالخوف أن تخفض أوبك إنتاجها لمصلحة حصة النفط الصخري الأميركي. وهذا يشكل معضلة حلها الوحيد انطلاق ودفع الطلب على النفط وتحسن الأوضاع الاقتصادية العالمية. ولا شك في أن موسم السياحة في أميركا وهي أكبر سوق لاستهلاك النفط يدفع الطلب على النفط إذا كانت هناك انطلاقة وانتعاش للاقتصاد الأميركي. ولكن هذا الأمر لم يظهر بعد بوضوح. فكثيراً ما تناقض التوقعات حقيقة الأوضاع. وليس مصادفة أن يصدر أمس، مسح جيولوجي لمنطقة في غرب تكساس فيها موارد نفط وغاز غير مكتشفة تقدر بـ٤,٢ بليون برميل من النفط و٣,١ ترليون قدم مكعب من الغاز. فأمام دول أوبك مشكلة زيادات النفط الأميركي وأيضاً الأعباء المالية التي تواجهها معظم هذه الدول من تأثير تراجع سعر النفط على موازناتها والعجز الذي تراكم بسبب انخفاض سعر النفط الى ما بين ٤٦ و٥٠ دولاراً من مستوى بلغ أحياناً في سنة ٢٠١١ مئة دولار للبرميل.
إن قرار أوبك بالتخفيض وخصوصاً الاستمرار في الالتزام به يجب ألا يكون أكثر مما هو حالياً. فتخفيض أكبر للحصة الإنتاجية يدفع إلى رفع السعر الذي من شأنه أيضاً أن يدفع زيادة إنتاج النفط الأميركي. وعودة سعر برميل النفط إلى ٨٠ أو ٩٠ دولاراً لم يعد وارداً. فقد ولى سعر برميل النفط المرتفع وعلى الحكومات في الدول المنتجة للنفط أن تكيف موازناتها مع هذا الواقع. وقد يلاحظ المراقب لدى زيارته عدداً من دول الخليج أن النشاط الاقتصادي فيها تراجع بالنسبة إلى سنوات فائض العائدات. فالفنادق لم تعد تعج مثلما كانت في الماضي برجال الأعمال الغربيين والعرب، لأنه تم تأجيل أو مراجعة العقود لتنفيذ المشاريع. ودول الشرق الأوسط النفطية وغير النفطية تواجه واقعاً جديداً ينبغي التكيف معه. فالغنية منها تدرس الأولويات، ولكن تقليص عائداتها يؤثر في كل المنطقة العربية. فالجاليات المصرية واللبنانية والمغاربية تفيد بلدانها من العائدات التي ترسلها إلى بلدها. وقد تقلص ذلك في شكل كبير. فالمواطن العربي الذي يعمل في الدول النفطية يأمل بتحسن أسعار النفط لتنشيط عجلة الاقتصاد والمشاريع في الدول الغنية. ولكن سعر برميل النفط لن يعود إلى ٩٠ أو مئة دولار، لأن كثرة موارد النفط في العالم وتقنيات التنقيب والإنتاج تقدمت في شكل سريع. فعلى دول المنطقة أن تتكيف مع أوضاع اقتصادية جديدة قد تكون لمصلحة من يريد العمل على إعادة ترتيب ميزانيته، ولكنها مسيئة للدول التي استفادت من الفورة النفطية وهي الآن تعاني في شكل كبير من ذلك، إضافة إلى الحروب في المنطقة التي أنهكت شعوبها. والأمل بأجيال شابة تخرج المنطقة العربية من عهد النفط إلى عهد العلم والإبداع، مع إعادة إعمار وإعادة شعوب هجرت من دولها وتم تشريدها. فنعم لسعر النفط تأثير ضخم في المنطقة العربية.