تجمع المعاجم العربية كلها على أن كلمة «مأزق» تعني المكان الضيّق الذي يصعب الخروج منه. وكثيراً ما أشارت المعاجم الى المأزق في الحروب عندما يتورط أحد أطراف القتال أو غير واحد من الأطراف في «موضع ضيّق يقتتلون فيه». (يراجع: المعجم المعاصر في اللغة العربية، والمعجم الوسيط، والرائد، ولسان العرب) وهي كلمة مشتقة من فعل «أَزَقَ». أزق صدره تعني ضاق صدره.
ويبدو أن ما يجري على الساحة من ثورة عارمة قد «أزَقَت» معه قلوب المسؤولين وأيضاً المنتفضون مفترشو الساحات والمقيمون في الشوارع والطرقات. وأما اللبنانيون فقد «أزقت» صدورهم منذ عقود وهم ينتظرون الفرج.
أجل! ضاقت صدور أهل السلطة بإنتفاضة الناس التي تصرّفوا معها في الساحات الأولى وكأنّها فاجأتهم. مع أنّ الحال التي آلت إليها البلاد كان يمكن توقّع أن تؤدي إلى انفجار شعبي حذرنا منه بإستمرار، كما حذر منه الكثيرون… لأن استمرار الحال (المزرية) كان من المحال.
بعد 48 ساعة على هذه الانتفاضة الكبيرة غير المسبوقة بادر المسؤولون الى البحث عن حلول. ونحن من الذين رحّبوا بإعلان رئيس الحكومة سعد الحريري، اثر اجتماعه والرئيس ميشال عون في قصر بعبدا، عن الورقة الإصلاحية التي لم يشأ الشارع أن يعترف بجدواها. كما رحبنا بدعوة الرئيس عون المنتفضين الى تشكيل وفد يمثلهم للحوار معه. ولم يلبّوا. وفي تقديرنا أنه كان يمكن إعطاء السلطة فرصة لا تتجاوز الأسبوعين أو الثلاثة، مع البقاء في الشارع، حتى اذا انتهت المهلة ولم يتحرّك المسؤولون تكون العودة الى حراك أكثر فعالية. وفي المقابل فإنّ أهل السلطة أصابهم الجمود الذي هو أسوأ ما تُبتلى به سلطة. فمنذ ثمانية أيام على الإعلان عن الورقة لا تزال حال المسؤولين: مكانك راوح.
والمأزق الكبير هو هنا:
أولاً – السلطة لا تقدم شيئاً عملياً بعد سوى دعوة الرئيس ميشال عون الشارع الى فرز قيادة ليحاورها.
ثانياً – الشارع لا يملك سوى… المزيد من الشارع! وحتى الآن من دون نتيجة فاعلة.
ثالثاً – الناس «رهينة المحبسين» لا حلّ أو بوادر حل توحي بالفرج، ولا قدرة على استئناف الحياة الطبيعية بسبب تقطيع أوصال البلد.
رابعاً – حزب الله دخل الشارع من اعتصام الضاحية… وهو لا يريد أن يوسّع اعتصام أنصاره، علماً أن أي مواجهة في الشارع من شأنها أن تسيء إليه كثيراً … كثيراً … ولعلها مطلب خصومه.
والزمن ليس في مصلحة أحد…
إننا جميعاً في المأزق الضيّق جداً.