الوضع الصعب يزداد صعوبة والاقتصاد المتردي يزداد تردياً والبطالة التي تضرب البلد تزداد رقعتها اتساعاً، والفساد في الإدارات الرسمية حدث ولا حرج، والفاسدون على عينك يا تاجر ولا من يحاسب أو يسائل، وأزمة الكهرباء تفضح الذين يتاجرون بمصالح الشعب ولا يخجلون بل يتبجّجون، ويبشرون بأنها مستمرة وطويلة، والمساعدات المقررة في المؤتمرات الدولية للمساعدة على هذا البلد على تجاوز الكارثة الكبرى تتلاشى الواحدة تلو الأخرى بعدما أثبتت الدولة انها عاجزة عن تحقيق الإصلاحات البنيوية وعن تشكيل حكومة توحي بالثقة.
وحيال كل هذا الواقع المخيف لا يرى المواطن أي بصيص أمل في أن يخطو المسؤولون عنهم، أي خطوة إلى الامام، بل يراهم لاهين في سجالاتهم، وفي التسابق على المكاسب من خلال الحصول على أكثرية المقاعد الوزارية وعلى الوزارات السيادية من جهة، والخدماتية من جهة ثانية، وكأن البلد بألف خير لا يشكو من أمراض تكاد تصبح مستعصية، وليس في العناية القائمة كما تجمع على ذلك كل التقارير المحلية والدولية، ولم يسمع هذا المواطن من هؤلاء المسؤولين غير الوعود والكلام المعسول الخالي من أي مضمون، وكأن البلد في ألف خير.
لا أحد منهم على استعداد لأن يتخلّى ولو بنسبة قليلة جداً عن المكاسب لمصلحة الوطن أولاً ومصلحة المواطن ثانياً، ولا أحد من هؤلاء يفكر بما ستؤول إليه الحالة في حال استمر هذا الجدال العقيم حول توزيع الحصص وكأن بناء الدولة لا يقوم إلا إذا حصل هذا أو ذاك على الحصة الأكبر من المقاعد الوزارية وصار هو المتحكم بمصير الحكومة وبقرارات مجلس الوزراء، ولا ينسى أو يتناسى أن العمل العام يقوم علي مبدأ التضحية عن المصلحة الشخصية أولاً وقبل أي أمر آخر، وجعل المصلحة العامة فوق أي اعتبار.
هذا هو الوضع السائد علی أرض الواقع، غير أن ما من أحد يريد أن يعترف بوجوده، بل يتحدث دائماً عن أمور أخرى لا علاقة لها بهذا الوضع، ولا تتناول جوهر الموضوع بل تقفز فوقه وكأن ليس هناك أزمات ولا من يحزنون.
استمعنا في الأسبوعين الماضيين إلى تصريحات لعدد من المسؤولين، فإذا بها خالية من أي فكرة واحدة تتعلق بالوضع الخطير الذي يضغط على أنفاس اللبنانيين، ويقضُّ مضاجعهم خوفاً من الآتي الأعظم.
قيل قبل بضعة أيام ان الأمور في طريقها إلى المعالجة، وأول الغيث هو ولادة حكومة الوفاق الوطني، وقبل أن ينشف حبر هذا الكلام المطمئن نسبياً سمعنا عكسه تماماً، أي أن الأمور ما زالت تراوح مكانها، ومن يدعو إلى التنازل للمصلحة العامة فليتنازل من كيسه بدلاً من أن يمد يده إلى كيس غيره، وهذا معناه أن العقلية التي أوصلت الأمور الى هذه الحالة المزرية ما زالت هي السائدة وان لا تعديل ولا تغيير في الأداء بما يؤول إلى تغليب المصلحة العامة على كل المصالح الشخصية الأخرى مهما بلغت، وان من يعتقد بأن العقد في طريقها إلى الحلحلة بعد أسبوع أو أسبوعين وحتى بعد أسابيع فهو واهم ولا يُدرك حقيقة ما يحاك من خطط ويرسم من مشاريع تخص المستقبل بصرف النظر عمَّا إذا بقي هذا البلد أو زال من الوجود.