لم يتردد البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، صبيحة اقرار الموازنة العامة التي أقرها مجلس النواب قبيل انعقاد مؤتمر »سيدر« بسرعة لافتة، من اثارة ملاحظة بالغة الغرابة، وهي ملاحظة اثارت أكثر من علامة استفهام وتساؤل، تتمثل في كيفية تمرير المادة 50، خصوصاً من قبل قوى سياسية لطالما أعلنت رفضها »التوطين« وحذرت من هذا »الخطر«.. وقد اشار البطريرك الراعي الي ان المادة 50 من الموازنة تثير القلق.. وتُخيفنا جداً.. لافتا الى هذه المادة التي أضيفت »بسحر ساحر« على موازنة العام 2018 هي ان كل عربي او اجنبي يشتري وحده سكنية في لبنان يمنح اقامة دائمة له ولزوجته ولاولاده القاصرين، سائلاً: »أهذه مقدمة لاكتساب الجنسية والتوطين؟!.
لم يطل الوقت، حتى دخل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على الخط، مع توقيعه (أول من أمس) قانون الموازنة العامة والموازنات الملحقة الذي أقره مجلس النواب في 29 آذار الماضي وحمل القانون رقم 79 تاريخ 18 نيسان واحاله على النشر، مرفقاً بمعلومات تؤكد ان الرئيس عون في صدد توجيه رسالة الى مجلس النواب، يطلب بموجبها اعادة النظر بالمادة 50 (49)، خصوصاً وان هذه المادة اثارت من حولها اعتراضات ومخاوف، خصوصاً من مرجعيات روحية مسيحية كونها تستبطن توطينا للاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين في لبنان..
في قناعة عديدين من المرجعيات القانونية »ان اعطاء أجانب حق الاقامة الدائمة يمثل طعنة وطنية واقتصادية للبنانيين كافة خصوصاً وان ذلك سيسبب ارتفاعاً في أسعار الشقق.. متسائلين هل ان الدولة ارفقت هذا بدراسة جدوى اقتصادية تظهر حقيقة منافعه او أنه من فئة التشريعات التي جرت العادة على امرارها من دون تمحيص ولا قراءة..«
ليس من شك في ان المادة 50 (49) اثارت العديد من الاسئلة والتساؤلات خصوصاً أيهما أخطر على البلد من بيع الشقق والعقارات والابنية والطوابق، حيث بات غالبية الشباب اللبنانيين عاجزين عن توفير سكن مهما كان متواضعاً خصوصاً مع أزمة »القروض السكنية المدعومة« التي تم وقف العمل بها في الآونة الاخيرة، فضلاً عن المعاناة القائمة والمتزايدة من نسب البطالة وقلة المداخيل في تاريخ هذا البلد.. خصوصاً أكثر ان المؤسسات التشريعية والتنفيذية وسائر المؤسسات المعنية لم ترفق اقرار المادة المشكو منها بدراسة جدوى اقتصادية تظهر حقيقة منافعة.. خصوصاً أكثر وأكثر، ان قطاع العقارات شهد ارتفاعاً خيالياً في الاسعار كما في جمود حركة البيع والشراء وسط أزمة سياسية بالغة الدقة في لبنان.. وكثيرون يتساءلون أيهما أخطر على البلد اعطاء اقامة دائمة لكل عربي او أجنبي يشترى وحده سكنية في لبنان، أم اقتلاع الشباب والشابات اللبنانيين من أراضيهم وتشتيتهم في سائر أرض الله الواسعة يبحثون عن قمة العيش؟!
في قناعة عديدين من المتابعين، ان من حاول الدفاع عن هذه المادة، بالاشارة الى ان دولاً أخرى اعتمدت »حوافز مماثلة«، لم يأخذ في الحسبان الفوارق الكثيرة بين وضع لبنان ووضع كل من هذه الدول الأخرى بالنسبة الى ان لبنان يعتمد التوازن الطائفي في نظامه لا نظام المواطنة الذي يسوي بين اللبنانيين جميعاً في الحقوق والواجبات كما وبالنسبة الى الابعاد التالية: الكثافة السكانية، ونوعية البنى التحتية وجهوزيتها لخدمة عدد السكان الحالي والمتوقع وحجم البطالة ومعدل اسعار الشقق السكنية المطلوبة محلياً للطبقات الدنيا والتي تشكل أكثر من سبعين في المئة في عدد السكان، ناهيك بتواجد اعداد خيالية من اللاجئين والنازحين.. وغير ذلك؟!
على ما تظهر التطورات والمواقف، فإن اثارة هذه المسألة – كما ادراج المادة 50 في الموازنة العامة لم يأتِ من فراغ، كما لم »يأتِ بسحر ساحر« على ما يقول رئيس الجمهورية، حيث كانت كتلة »التغيير والاصلاح« من بين الكتل النيابية التي صادقت على الموازنة ولم تبد أي ملاحظة على تلك المادة.. خصوصاً وأن البلد على عتبة اجراء الانتخابات النيابية في السادس من ايار المقبل، والاسئلة تتواصل حول ما اذا كان من امكانية لانعقاد المجلس النيابي الحالي، أم ان المسألة ستنتقل الى المجلس الجديد؟!
يؤكد متابعون، ان رئيس الجمهورية وعد المتصلين به حول هذه المسألة باجراء اللازم.. وعلى ما تقول مصادر القصر الجمهوري فإن أمام مجلس النواب (الحالي) مهلة شهر كامل من ولايته وهو بكامل صلاحياته التشريعية للبت برسالة رئيس الجمهورية المنتظرة لابطال هذه المادة، وبامكان رئيس المجلس نبيه بري فور تسلمه رسالة رئيس الجمهورية في الايام القليلة المقبلة الدعوة الى جلسة عادية تتلى فيها رسالة عون والرد عليها »سلباً او ايجابً« بصرف النظر عما اذا كانت ذات ابعاد سياسية او غير سياسية، خصوصاً وان الظروف الاستثنائية الحالية التي يمر بها لبنان والمنطقة عموماً، تضع غالبية اللبنانيين عموماً في مواقع محرجة للغاية.. وان كان متابعون يتطلعون الى اعادة النظر في المادة المذكورة اعلاه على أنها تأتي في سياق تصحيح الخلل وتشكل ضمانة قوية لمنع استغلالها وتسخيرها لتوطين كل غير لبناني فما يصح في دول أخرى لا يصح في لبنان لأسباب عديدة من بينها التنوع البشري وضيق المساحة وضيق مستوى العيش وتراجع المداخيل على نحو خطير؟!