التأمت دول مجموعة العشرين يومي الجمعة والسبت الماضيين، للبحث في مواضيع مُتعدّدة منها ما هو سياسي ومنها ما هو إقتصادي. وتُعتبر هذه القمّة من أكثر القمم حماوة نظرًا للمواجهة الكبيرة بين الولايات المُتحدّة الأميركية وباقي دول العشرين حول العديد من الملفات خصوصًا الإقتصادية منها.
مجموعة العشرين عبارة عن مجموعة مؤلّفة من 19 دولة صناعية الأكثر ثراءً إضافة إلى الإتحاد الأوروبي. وتألفت هذه المجموعة في العام 1999 وتهدف إلى خلق منصّة حوارية بين الدول الأكثر ثراءً حول مُستقبل العالم الإقتصادي والإجتماعي والبيئي والسياسي. وتعقد هذه المجموعة إجتماعيات سنوية حيث يُصادف اللقاء هذا العام في هامبورغ في ألمانيا في 7 و8 تمّوز.
شهد يوم الجمعة مواجهات عنيفة بين متظاهرين ضد العولمة وقوى الشرطة الالمانية في مدينة هامبورغ وذلك على هامش لقاء قمة مجموعة العشرين والتي تضمّ الدول الأكثر ثراءً إضافة إلى منظمات دولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وبعض المدعوين إسبانيا وهولندا وسنغفورا…
تأتي هذه القمّة بعد المواقف الأميركية التي إتخذتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب كالإنسحاب من إتفاقية باريس المناخية والإجراءات الحمائية التي تنوي الولايات المُتحدّة الأميركية أخذها ضد كل من الصين (في مجال الحديد) وألمانيا (في مجال السيارات).
إذ من المُتوقّع أن تكون هناك إجراءات جمركية وضريبية إضافية على إستيراد هذه السلع. لكن هذا الشق ليس بالوحيد الخلافي، فهناك أزمة كوريا الشمالية التي أطلقت حديثًا العديد من الصواريخ البالستية المُحمّلة برؤوس نووية والتي بحسب الخبراء العسكريين قادرة على الوصول إلى ألسكا إضافة إلى الأزمات القديمة مثل الأزمة الأوكرانية والأزمة السورية وغيرها.
إقتصاديًا، يبقى ملف إنسحاب الولايات المُتحدة الأميركية من إتفاقية باريس المناخية المُشكلة الإقتصادية الأساسية التي تفرض نفسها. حيث أن الولايات المُتحدة الأميركية تجد نفسها معزولة خصوصًا أن الأوروبيين مُتعلّقين جدًا بتطبيق إتفاقية باريس التي لها تداعيات إقتصادية جمّة على الإقتصاد الأميركي.
فتطبيق الإتفاقية يعني خفض الإنبعثات الحرارية الناتجة عن الماكينة الإقتصادية الأميركية (تحتل المرتبة الأولى مع الصين في حجم التلوّث) أي بمعنى أخر لجم الإنتاج الأميركي.
هذا الأمر يُشكّل خطاً أحمر للإدارة الأميركية التي تعتبر أن الوضع الإقتصادي الحالي لا يتحمّل أية تضحيات مهما كان نوعها. وبالتالي، من المُتوقّع ألا يكون هناك أية قرارات حازمة على هذا الصعيد، وهناك تخوّف من أن تلقى إتفاقية باريس موتا سريريا نتيجة غياب التمويل الأميركي الذي يُشكّل 20% من مُجمّل كلفة تطبيق الإتفاقية.
الوضع الإقتصادي الأميركي يخلق أيضًا مُشكلة تجارية بين الصين والولايات المُتحدة الأميركية وبين هذه الأخيرة وألمانيا. فالقيمة المُضافة لقطاع الحديد في الصين يخلق مُشكلة للقطاع الأولي في الولايات المُتحدة الأميركية مع أسعار لا يُمكن للقطاع الأولي الأميركي مُجاراتها.
هذه الأسعار المُنخفضة ممزوجة بأسعار نفط مُنخفضة لا تسمّح للتضخم ببلوغ نسبة مقبولة وبالتالي فإن النمو الإقتصادي الأميركي لا يزال هشًا ويفرض إجراءات «حمائية» من قبل الولايات المُتحدة الأميركية التي أعلنت إدارتها عن نيتها فرض إجراءات جمركية على إستيراد الحديد من الصين.
على صعيد أخر، أظهر قطاع السيارات الألمانية أنه مُنافس شرس لقطاع السيارات الأميركية داخل عقر داره. وأدّى نجاح السيارات الألمانية وإزدياد الطلب عليها في الولايات المُتحدة الأميركية مع ما يُمثله السوق الأميركي من ضخامة إلى دفع الإدارة الأميركية إلى إتخاذ القرار بفرض إجراءات جمركية إضافية على إستيراد السيارات الألمانية.
وإذا كانت الأمور على الصعيد الأميركي – الألماني قابلة للمفاوضات، إلا أنه على الصعيد الأميركي – الصيني، تُصبح الأمور أكثر تعقيدًا مع أزمة الصواريخ الكورية الشمالية. وبالتالي لن يكون هناك أي تقدّم على هذا الصعيد.
وهنا تبرز المواجهة بين النظرة الأميركية والنظرة الأوروبية لما يُسمّى بالعولمة. فالولايات المُتحدة الأميركية ترى أن العولمة هي عبارة عن لعبة فيها رابح وخاسر، في حين ترى أوروبا أن العولمة هي عبارة عن نظام عالمي يتوجب فيه التعاضد بين مُختلف الدول على مواضيع أساسية وعلى رأسها الإحتباس الحراري.
التكتلات الخلافية تتغيّر بحسب المواضيع. على صعيد العقوبات الأميركية والأوروبية على روسيا نتيجة الأزمة الأوكرانية وإحتلال روسيا لشبه جزيرة القرم، تُصبح روسيا مع الصين في جهة والتكتّل الأميركي – الأوروبي في جهة أخرى.
فالولايات المُتحدة الأميركية قرّرت حديثًا زيادة العقوبات على روسيا من خلال لجم القروض إلى المصارف الروسية وحصرها بالقروض القصيرة الآمد فقط، وذلك بهدف ضرب الإستثمارات التي تتطلّب قروضا على فترات مُتوسطة إلى بعيدة الآمد. هذا التشدّد تبعه تشدّد من قبل بريطانيا التي حذت حذو الولايات المُتحدة الأميركية.
هذا الملف إضافة إلى الأزمة السورية هما من النقاط الخلافية الأساسية بين الولايات المُتحدة الأميركية وروسيا.
من ناحية أخرى، كان موقف دول البريكس ضعيفًا نتيجة ضعف موقف البرازيل التي تطال رئيسها شبهات فساد مُلاحق بها قانونيًا داخل البرازيل. وهذا الأمر جعل البرازيل في موقف ضعيف حيث كان من المُتوقّع أن يُلغي الرئيس البرازيلي مُشاركته في القمّة لكنّه عدل عن ذلك في اللحظّة الأخيرة.
يبقى الموضوع الأهم هو الإتفاق على السياسات النقدية من ناحية عدم فتح حرب عملات طاحنة خاصة أن وضع الإقتصاد العالمي وغياب النمو الإقتصادي الناتج عن الطلب الداخلي، يفرض زيادة الطلب الخارجي الذي يمرّ عبر إضعاف العملة الوطنية مما يُحفّز التصدير.
هذه النقطة تأخذ أبعادًا حيوية من ناحية أن الدخول في مثل هذه الحرب سيفرض إجراءات على مستوى المصارف المركزية مُغايرة للتي تتخذها اليوم (أي رفع الفائدة) نذكر منها على سبيل المثال طبع العمّلة وإغراق السوق بالعملة الوطنية أو الشروع في هندسات مالية مثل شراء سندات خزينة للدولة المُنافسة…
عربيًا، المملكة العربية السعودية هي الدوّلة العربية الوحيدة المُشاركة في القمّة. إلا أن المُشاركة ليست على مستوى القمّة بعدما ألغى خادم الحرمين الشريفين مُشاركته وناب عنه وزير المال.
على المُستوى اللبناني، من المُتوقّع أن تكون تداعيات قمّة العشرين الإقتصادية هي نتاج للعراك الأميركي الروسي على ملف الأزمة السورية التي من الواضح من المواقف العديدة للولايات المُتحدة الأميركية وروسيا أنها في حالة ستاتيكو لفترة طويلة.
هذا الأمر يعني أن الوضع الإقتصادي اللبناني سيستمرّ على حاله إلى فترة طويلة أقلّه عامين إلى ثلاثة أعوام نظرًا لغياب التغيرات في المُعطيات العسكرية على الأرض.