Site icon IMLebanon

تداعيات قرار ترامب الإقتصادية موضع تحليل

 

منذ تنصيبه، يحاول ترامب استهداف كل ما حققه سلفه من اتفاقيات وانجازات، اذ انه انسحب من الشراكة العابرة للباسيفيك، وفي حزيران أعلن نيته سحب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس في شأن تخفيف اثار التغيّر المناخي، كذلك تصدّى لملف المهاجرين غير الحائزين على الوثائق، وأخيرًا ألغى قانون الرعاية الصحية.

لم يتوقف ترامب عند هذا الحد، انما أعاد فرض العقوبات والقيود على السفر الى كوبا. لذلك لم يأت قراره في شأن الاتفاق النووي الايراني غريبًا كونه سعى منذ توليه الحكم الى القضاء على كل ما حققه سلفه وكونه غير راضٍ عن هذه الاتفاقية التي تم التوصل اليها بين ايران والولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا وفرنسا والصين والمانيا والاتحاد الاوروبي في تموز ٢٠١٥.

كل هذه الامور تزيد من عزلة ترامب على المسرح العالمي، وترفع منسوب غضب حلفائه لنكثه التعهدات. وقد أعرب هؤلاء عن قلقهم أن يقوّض ذلك من مصداقية ترامب في اي حوار قد يبدأه مع كوريا الشمالية.

علّق الرئيس اوباما على هذا القرار بقوله انه خطأ فادح. وقال الرئيس حسن روحاني في هذا المجال «ان الولايات المتحدة اعلنت انها لا تحترم التزاماتها» كذلك حذّر الاوروبيون من ان الانسحاب الاميركي سوف يطيح بسنوات من العمل الذي أدّى الى تحقيق اتفاقية تاريخية ابقت السلاح النووي خارج السيطرة الايرانية.

الامر الجدير بالاهتمام هو ان الانسحاب من هذه الاتفاقية حسب الخبراء العسكريين والدبلوماسيين سوف يؤدي الى اعادة طهران الى برنامجها للأسلحة النووية ويزيد من تورطها العسكري في العراق وسوريا واليمن.

اما بالنسبة الى التوقعات الاقتصادية فهي كبيرة كونها لن تقتصر على ايران بل انها تنسحب على اوروبا وروسيا وتطال اسواق النفط وحتى انفاق المستهلك الاميركي. واعادة فرض العقوبات ضد خامس اكبر دولة منتجة للنفط في العالم انعكس على اسعار الغاز، ويعني كذلك ارتفاع تكاليف النفط العالمي، واي خفض كبير في انتاج النفط الايراني يمكن ان يزيد من أزمة امدادات النفط العالمية.

كذلك ما سوف تكون ردود فعل الشركات الاوروبية التي بدأت مفاوضات كبيرة مع ايران في شأن امدادها بالمعدات والطائرات مقابل موافقة طهران على الحد من النووي، والسماح بعمليات تفتيش منتظمة من قبل المسؤولين الدوليين. اضف الى ذلك ما قد ينتج عن هذا الانسحاب من تصاعد للتوترات الجيوسياسية في الشرق الاوسط سيما وان الاتفاقية النووية لها معارضوها في الخليج واسرائيل، وحسبهم ان هكذا اتفاقية تعطي شرعية لنظام ايراني يودّون القضاء عليه دون ادنى شك.

كذلك، من الصعب التكهّن باحتمال حصول ردة فعل أوسع في الاسواق المالية وانسحاب ذلك على البنوك والشركات.

هذه الامور تبقى فرضية سيما وانه يبقى ان نرى كيف يمكن للدول الاوروبية وشركائها ان تتعاطى مع هكذا انسحاب خصوصا وانه لغاية الآن رفضت فكرة الانسحاب من هكذا اتفاقية اذ انها تعتبرها انجازا دوليا تحقّق. وقد ذكر بعض المحللين ان الامور مرهونة في ان تستجيب البلدان الاخرى لهكذا قرار خصوصا وان شركات كبيرة مثل رينو الفرنسية كانت اكثر عنفًا في الاستثمار او توقيع اتفاقيات منذ رفع القيود المفروضة.

ومن ضمن الشركات الاميركية تبرز بوينغ على سبيل المثال والتي ابرمت عقودا بقيمة ٢٠ مليار دولار مع طهران، وكانت حذره اكثر آخذة بالاعتبار امكانية اعادة العقوبات. كل ذلك يُضاف الى التوترات حول التجارة، مع احتمال زيادة التعريفات الجمركية على الصين، وتزايد الحذر بما قد ينعكس سلبيا على السلع والأسواق المالية.

يقول وزير الخزانة الاميركية ان العقوبات لن تجري فورًا على ايران انما ستخضع لمدة ٩٠ يومًا و١٨٠ يومًا من الاسترخاء. ويقول مستشار الأمن القومي الأميركي ان الشركات التي تعمل مع ايران عليها ان تنهي أعمالها خلال فترة ستة اشهر او سوف تواجه عقوبات أميركية.

اما على صعيد الدبلوماسية العالمية، يبدو ان اوروبا والدول الموقعة لاتفاقية JCPOA اظهروا قلقهم من هكذا قرار واعلن الامين العام للامم المتحدة «قلقه بشدة» ازاء الاعلان، ودعت البلدان الاخرى الموقعة الى الوفاء بالتزاماتها.

والاكيد ان هذا الاعلان يزيد من عزلة ترامب واغضب حتى اخلص الحلفاء للولايات المتحدة التي نكثت بتعهداتها، ويلقي بالشك حول جدية ومصداقية واشنطن في المفاوضات المقبلة مع كوريا وكيفية التعاطي من الآن وصاعدًا مع طهران، كذلك اقناع روسيا والصين. أضف الى ذلك عدم اعتراف المسؤولين الاميركيين بأنه لم يتم التوصل لمناقشة ما سوف يحصل اذا ما انسحبت الولايات المتحدة من الصفقة. ولم يتحدثوا عن الخطة «ب» وكيف سترد ايران وما اذا كانت سترفض الجلوس الى طاولة مفاوضات جديدة.

كل هذه الامور تزيد القلق على الصعيد العالمي والاقليمي وترخي بظلالها على الاسواق المالية واسعار النفط والغاز وتزيد من التوترات الجيوسياسية اذ ان ايران قد لا تلتزم بعد الآن بأي اتفاقية وتشرّع لنفسها من جديد حق تخصيب الاورانيوم وان كان لاغراض سلمية.

ويبدو للمحللين ان ترامب يحاول ان يزيد الضغط على طهران لمنافع باتت واضحة سياسيًا واقليميًا، وللايفاء بوعود اطلقها خلال حملته الانتخابية الامر الذي يضع مصداقية الولايات المتحدة والمجتمع الدولي على المحك.