يتوقف استكمال الكويت دورها في السعي إلى معالجة التأزم في العلاقة بين لبنان ودول الخليج على نتائج دراسة الرد اللبناني على البنود الـ12 التي حملها وزير خارجية الكويت الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح في 22 كانون الثاني الماضي، والتي تتّسم بشموليتها لجوانب الأزمة في مستواها السياسي، وتتطرق في آخر بند منها إلى المستوى الاقتصادي إذ نصّ على «العمل مع البنك الدولي لإيجاد حلول لمسألة عدم تمكين المواطنين اللبنانيين من تسلم ودائعهم في البنوك اللبنانية. فالحلول للأزمة الاقتصادية المبنية على الإصلاحات ستعتمد على دعم مالي يؤمنه صندوق النقد الدولي والدول المقتدرة ولا سيما الخليجية، التي لكلمتها ورأيها الوقع المؤثر فيه وفي البنك الدولي. هذا فضلاً عن أن للعديد من الكويتيين والخليجيين ودائع مجمّدة في المصارف اللبنانية.
لا يغيب عن بال المسؤولين الكويتيين أن الردّ الذي تسلّمه من وزير الخارجية اللبناني عبدالله بو حبيب خاضع لظروف الحكم اللبناني المرتبك والمشتت القرار، ولنفوذ «حزب الله»، وبالتالي يصعب على كبار المسؤولين اللبنانيين إيجاد صيغة خلاقة لتخطي هذا النفوذ ورسم مسار يمكّن الدول الخليجية التي تريد مساعدة لبنان من أن تمضي قدماً في حوار يتناول كلّ بند من البنود الـ12 حتى لو كان الوصول إلى نتائج عملية سيأخذ وقتاً.
لكن الافتراض المنطقي يقتضي الاعتقاد أن المبادرة الكويتية، والتي هي مبادرة خليجية وفق المعطيات التي اجتمعت على التأكيد أن صياغتها مشتركة مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، وأميركا وفرنسا، تتوخى الانخراط في مساعي فصل التأزم اللبناني عن التسخين الجاري في المنطقة، إذا استمر المنحى التصعيدي الذي تتولاه إيران رغم المفاوضات الجارية في فيينا، ورغم الحوار الجاري بينها وبين السعودية، بدليل توسيع القصف الحوثي، الإيراني الهوية، ليشمل أبو ظبي ودبي في دولة الإمارات. أما إذا أصرّت طهران على مواصلة ربط الوضع المأزوم في لبنان والتشدد برفض أي أدوار خارجية، دولية كانت أم عربية فيه لمساعدته على التعافي، بالتسخين الجاري في سائر ميادين الصراع على الصعيد الإقليمي، فإنه من الطبيعي أن يأخذ تنفيذ بنود الورقة الكويتية المزيد من الوقت، وأن يخضع للتطورات في الإقليم.
سبق للكويت أن سعت من أجل الحلول في عدد من ميادين التأزم الإقليمي أخيراً. وهي استندت في ذلك أيضاً إلى مرجعيات قرارات دولية (القرار2216 ) وعربية وخليجية ويمنية مثلما فعلت في شأن اليمن، ومثل استناد مبادرتها في لبنان إلى مرجعيات القرارات الدولية والعربية واللبنانية التي تعني أزمته. فهي تولت رعاية المفاوضات بين الحوثيين وبين ممثلي الشرعية اليمنية في العام 2016 ثم سعت إلى فتح حوار مع طهران في زيارة قام بها الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر إليها رغم اكتشاف خلية العبدلي التي تورط في تنظيمها «حزب الله» اللبناني وموظفون إيرانيون في سفارة بلادهم في الكويت، بهدف القيام بعمليات أمنية وعسكرية على الأراضي الكويتية. وللدبلوماسية الكويتية تاريخ وباع طويل في التعاطي مع مراحل التأزم اللبناني. فالأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح ترأس في العام 1989 اللجنة العربية السداسية في تونس التي رعت لقاءات ومشاورات على أرضها بين الفرقاء اللبنانيين السياسيين والقادة الروحيين، والتقت العماد عون في حينها لإقناعه بمخرج للتخلي عن تحصُّنه في قصر بعبدا وإصراره على انتخابه رئيساً، من دون أن تنجح في ثنيه عن موقفه. ولعلّ ذكريات تلك الوساطة هي التي دفعت عون إلى اقتراح أن ترعى الكويت حواراً بين اللبنانيين في رسالته إلى أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر المبارك الصباح التي حملها الوزير بوحبيب.
يُطرح السؤال اليوم عما إذا كان الدور الكويتي الوسيط سيتكرّر بدعم خليجي وعربي ودولي، وسط تأييد أكثرية اللبنانيين. فوزير الخارجية الكويتي التقى بعد زيارته بيروت وتسليمه البنود الـ12 لكبار المسؤولين، نظيره الأميركي أنطوني بلينكن في واشنطن. وقال الناطق باسم الخارجية نيد برايس إن البحث شمل لبنان في إطار الحوار الاستراتيجي بين البلدين، فيما امتدح بلينكن دور الكويت الذي «لا غنى عنه في حلّ النزاعات». وفي كل الأحوال يحتاج تطبيق بعض القرارات الدولية المتعلقة بلبنان تنسيقاً مع واشنطن، ومع غيرها من الدول الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن، المعنية بتنفيذها، لأن الالتزام بهذه القرارات متعدد الأطراف، ولا يقتصر على لبنان، بل يشمل إسرائيل وسوريا، سواء بالنسبة إلى القرار 1701 في الجنوب، أو بالنسبة إلى القرار 1680 في ما يخص ضبط الحدود، أو القرار 1559.