في غمرة التطورات التي عصفت بالمنطقة، عموماً، جراء اعلان الرئيس الاميركي دونالد ترامب قراره المستفز والمستنكر والمرفوض، نقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس، والاعتراف بالقدس عاصمة لـ»إسرائيل»، وما أحدثه ذلك من مناخات الاحتقان وعودة الانتفاضة والغضب الشعبيان الى المناطق الفلسطينية كافة، في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، ومن ردود فعل دولية واقليمية وعربية ورافضة ومستنكرة، فإن الانظار تتجه الى الآتي من الأيام، والجميع يتساءل وماذا بعد؟!
في قناعة عديدين ان المواقف الدولية والعربية لم ترقَ بعد الى مستوى الحدث، والجميع يتساءل عما اذا كان اجتماع وزراء خارجية الدول العربية، الذي عقد ليل أول من أمس، في مقر الجامعة في القاهرة، سيكون مقدمة لانعقاد قمة عربية تتجاوز الانقسامات، ونخلص الى جملة قرارات عربية موحدة تطالب الولايات المتحدة بالعودة عن قرارها، وتشدد على ضرورة التحرك الدولي، وعلى كل المستويات للاعتراف بدولة فلسطين مستقلة وعاصمتها القدس؟! خصوصاً وان مواقف وزراء الخارجية، تقاطعت عند نقاط رئيسية من أبرزها استنكار القرار الاميركي ورفضه ورفض أي تبرير، والعودة عنه..
قد لا يختلف اثنان على ان الولايات المتحدة، بقيادة الرئيس ترامب أصبحت طرفاً في النزاع.. وتأسيساً على هذا، قد يكون وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي قد وضع اصبعه على الجرح مؤكداً أنه لن يكون لاميركا أي دور في عملية السلام، التي تتمسك بها السلطة الفلسطينية، كما سائر الدول العربية، وإن بمقاييس ومعايير مختلفة ومتباينة.. هذا في وقت تواصل «إسرائيل»، بما تملكه من آلة حرب، ومن ترسانة عسكرية، ودعم وغطاء أميركيين غير محدودين، اعتداءاتها وتصديها لجموع الفلسطينيين في الضفة الغربية، والقدس وقطاع غزة، الذين نزلوا الى الشوارع احتجاجاً ورفضاً للقرار الاميركي، فيسقط المئات بين شهداء وجرحى..
تمضي «إسرائيل» في اختبار عضلاتها العسكرية ضد الشعب الفلسطيني، في القدس وغزة وسائر مدن وبلدات الضفة الغربية، مستفيدة الى أبعد الحدود من عدد غير قليل من العوامل التي ساهمت في ذلك، ومن أبرزها نأي العالم العربي بنفسه عن أية مواجهة عسكرية مع الكيان الاسرائيلي من جهة والتغطية الامنية والعسكرية والسياسية الاميركية غير المحدودة من جهة ثانية..
في نظر البعض، أنه من السابق لأوانه الحديث عن بدائل سياسية، خصوصاً وان اجتماع وزراء الخارجية العرب لم يأت متأخراً، وان الاتصالات التي سبقت انعقاد الاجتماع حتمت هذا الموعد ليل أول من أمس، بعد سلسلة اتصالات (غير معلنة) أجريت مع قيادات أميركية بهدف «تصحيح الموقف» و»العدول عن القرار» وفتح باب المفاوضات من جديد لاحياء المبادرات السياسية الموصوفة، بهدف الوصول الى حل الدولتين.. و»الى موقف عملي وسليم وواقعي يخدم المصلحة الفلسطينية ولا يتعارض مع المصالح العربي.. ويرسل رسالة واضحة الى الجانب الاميركي بأن هذا المسار (الذي اعتمده ترامب) غير صحيح ومن الأفضل التراجع عنه لما له من آثار سلبية..
وبخلاف العديد من الأجواء العامة المسيطرة، فإن متابعين لمجرى التطورات يؤكدون «ان الموقف العربي سيكون موحداً، وان الرد العربي على موقف الرئيس الاميركي سيكون قوياً..» وقد تعززت في اليومين الماضيين الدعوات، من أكثر من جهة، الى «تنحية الخلافات العربية – العربية ووضعها خلف الظهر، والوصول الى موقف موحد، فيم مواجهة مرحلة مصيرية وفاصلة..
طبيعي ان لا يكون لبنان بعيداً عن كل ما جري، وما يمكن ان يجري من تطورات وهو في صلب الحدث، وذلك على الرغم من تشديد «مجموعة الدعم الدولية»، في مؤتمرها الاخير، الذي عقد في العاصمة الفرنسية، باريس، برعاية الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وحضور رئيس الحكومة سعد الحريري، على وجوب «الالتزام والتقيد بمبدأ «النأي بالنفس» الذي أقرته الحكومة اللبنانية، وكان مفتاح عودة الرئيس الحريري عن استقالته..» فما شهدته المناطق اللبنانية، أمس، وقبله، واليوم الاثنين، من تحركات احتجاجية (لبنانية وفلسطينة ومشتركة) على اعلان الرئيس الاميركي، ومناصرة لقضية فلسطين والالتزام بالقدس عاصمة لدولة فلسطين توجت يوم أمس بتظاهرة حاشدة أمام السفارة الاميركية في عوكر دليل كافٍ على استحالة فصل القضية الفلسطينية وتطوراتها عن الداخل اللبناني، الذي يحتضن أكثر من خمسماية الف فلسطيني هجروا من أرضهم بقوة السلاح والعنف الاسرائيليين، كما ودليل ساطع على استحالة «النأي بالنفس» تطبيقاً كاملاً.. وقد كانت خطوة مجلس النواب بانعقاد يوم الجمعة الماضي برئاسة وبمبادرة من الرئيس نبيه بري واجماع المتحدثين على رفض القرار المتعلق بنقل السفارة الاميركية والاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، بالغة الدلالة، ورسالة في أكثر من اتجاه، خلاصتها أن ذلك يهدد الامن والسلام الاقليمي والدولي، ويشكل غطاءً للاحتلال الاسرائيلي وعدوانيته وعملياته الاستيطانية وكل تجاوزاته على القوانين الدولية والانسانية، كما ويشجع النوايا العدوانية الهادفة لأسرلة فلسطين وتهويدها، ويهدد الآثار الناجمة عن ذلك بتنفيذ مشاريع التوطين وتذويب الشعب الفلسطيني وشطب القضية الفلسطينية تمهيداً لاعادة صياغة الجغرافيا السياسية في المنطقة العربية..»؟!