في البدء كان الغلط المقصود: وزير لكل أربعة نواب في حكومة ثلاثينية أوسع من حكومة الصين. معيار واحد مطلوب تطبيقه حسابيا من دون انتقاء ولا استثناء. معيار يصلح لتأليف مجالس شركات، لا لتأليف حكومات. وكلما تعثر التطبيق، وهو أمر حتمي، تكرّر الاصرار على المعيار نفسه تحت عنوان وحدة المعايير. والكل يعرف ان اللعبة الحسابية الباردة هي لعبة سلطوية حامية يراد منها ما هو أبعد من تمثيل القوى المحلية. لا بل تعطى شمولية التمثيل طابع المحاصصة بين الأحزاب والكتل البرلمانية الحقيقية والمصطنعة، من دون أي اعتبار لامتناع نصف اللبنانيين عن التصويت في موقف هو تصويت سلبي ضدّ التركيبة السياسية، ومن دون حساب لأهل الفكر والعلم والعمل في المجتمع خارج العصبيات.
ذلك ان الصراع على الأعداد في مجلس الوزراء هو صراع على السياسة. لكن الأول معلن والثاني مكتوم. وليس أمرا قليل الدلالات، تركيز الجدل والسجالات على الأوزان والأحجام والمعايير وتبادل الاتهامات حول المماطلة وغطرسة القوة في غياب الكلام السياسي الجدّي وحديث البرامج المطلوبة من الحكومة. فلا نحن، وسط سباق المعايير، تفاهمنا على معايير لسياستنا الداخلية والخارجية قبل تأليف الحكومة. ولا نحن نجحنا حتى في اللعبة التقليدية في لبنان، وهي تأليف حكومة ثم القتال على برنامجها وسياستها.
واذا كانت العقد داخلية، كما يكرر المعنيون بالتأليف، فان أمّ العقد سياسية خارجية، لجهة السياسات المطلوبة من لبنان في صراع المحاور الاقليمية والدولية. واذا كان الظاهر في الحوار الدائر بين أميركا وروسيا واسرائيل ودول عربية هو الحؤول دون ان تصبح سوريا لبنان آخر، فهل المخفي في السجالات بيننا هو الصراع بين من يريد ومن يرفض ان يصبح لبنان ايران أخرى أو سوريا أخرى؟ وهل الأولوية هي لمعالجة قضايا اللبنانيين ومواجهة تحديات لبنان أم لانقاذ الرهانات الاقليمية؟
لا أحد يصدّق ان تأليف حكومة للبنان لم يعد ممكنا من دون مماحكات تستغرق شهورا. حتى تأليف حكومة للعهد الحالي وتخدم الطموحات لعهد مقبل، فانه ليس مهمة صعبة حين تحسب التركيبة السياسية اننا في منطقة رمال متحركة ومتغيرات. لكن المهمة المستحيلة هي تأليف حكومة لايران وسوريا والسعودية وأميركا وروسيا وفرنسا.
سئل ملك فرنسا فرنسوا الأول عن سوء التفاهم الذي قاد الى حروبه مع امبراطور النمسا تشارلز هابسبورغ، فأجاب: لا شيء. نحن على تفاهم تام. كل منّا يريد السيطرة على ايطاليا. والظاهر ان هذا هو نوع التفاهم في لبنان.