داعش المضروب في الموصل والرقة يضرب في برشلونة بعد لندن ومانشستر وباريس ونيس وبرلين وأماكن أخرى في أوروبا وأميركا. والتحالفات الثلاثة المعلنة لمحاربة الارهاب، وهي الدولي بقيادة أميركا والرباعي بقيادة روسيا والاسلامي بقيادة السعودية، تبدو برغم قوتها الهائلة عاجزة عن القضاء النهائي على داعش. حتى الجبهة العالمية الواحدة ضد الارهاب والتي يكرر الرئيس فلاديمير بوتين المطالبة بها بعد كل عملية ارهابية، فان حسابات المصالح بين الدول تحول دون الاتفاق عليها.
وليس أخطر من أن تكون مجزرة برشلونة من صنع جند الخلافة بأمر من المركز حسب بيان داعش سوى أن تكون من صنع ذئاب منفردة متأثرة ب جاذبية الخلافة. وما تعنيه استعادتها كهدف وحلم منذ سقوط السلطنة العثمانية. فما يؤخر القضاء على دولة الخلافة الداعشية هو صراع الأولويات بالنسبة الى ملء فراغ داعش. وما يرفع ميزان القلق هو الخوف من قيام داعش أكثر خطورة ومن انتشار خلايا ارهابية عنقودية في كل البلدان.
وكلما زاد التعاون الأمني بين الدول والتطور التكنولوجي من القدرة على العمليات الاستباقية وكشف الخلايا النائمة، لجأ الارهابيون الى استخدام وسيلة جديدة يصعب الاستعداد لمنعها أو لمواجهتها. والسلاح الأخطر حاليا من السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة هو دهس المارة بوسائل النقل. فالسيارات والمشاة في كل مكان. ولا مجال لمراقبة كل سيارة ومعرفة نيّات كل سائق مهما تكن الاجراءات الأمنية مشددة والمعلومات الاستخبارية غزيرة.
ذلك ان الارهاب شكل من المسرح، حيث يستخدم الممثل الأصغر قوة الممثل الأكبر لهزيمته كما يقول البروفسور في هارفارد جوزف ناي. وهو، حسب البروفسور في جورجتاون دانيال بايمان صاحب كتاب القاعدة، الدولة الاسلامية، والحركة الجهادية الكونية، مجرد سلاح في استراتيجية حرب شاملة. واذا كان من السهل على كثيرين تبرئة النفس بالقول ان الغرب الأميركي والأوروبي هو صانع الارهاب، فان من الصعب، بصرف النظر عن نسبة مسؤولية الغرب، تجاهل كون الارهاب من انتاج مجتمعاتنا وسياساتنا. لا بل كونه وسيلة تخدم ايديولوجيا تعتمد على تأويل فقهي متطرف مضى زمانه.
وما يحدث هو مواجهة الارهاب بالقوة من دون مواجهة الأساس الايديولوجي للفكر الارهابي. وهذه نقطة ضعف في قوة التحالفات التي تحارب الارهاب. لكن العنف العبثي الذي يمارسه الارهابيون هو نقطة ضعف أساسية في قوة الارهاب المسرحية. فالمجازر تؤذي الشعوب والبلدان من دون أن يقود تراكمها الى تحقيق أي هدف للارهابيين في خدمة الايديولوجيا. والحياة في برشلونة وسواها أقوى من ارهاب السلفيين التكفيريين الذين يحاولون أخذنا الى الماضي لأننا فشلنا في بناء الحاضر على طريق المستقبل.