جاء الكشف عن ملابسات تفجير المسجدين في طرابلس بمثابة ادانة اضافية للنظام السوري الذي ارتكب العشرات بل المئات من الأعمال المشابهة خلال وجود جيشه في لبنان وفي مرحلة ما قبل وبعد الثورة الاستقلالية الثانية، من غير ان يتخلى «عملاء دمشق» عن السير في خطاه، ليس عن قناعة بل لأن هؤلاء ضالعون في ما ليس بوسعهم تبرئة أنفسهم منه، ما يعني ضرورة فتح المحاكمات في الملفات الجائرة التي من الواجب ان يفهم منها ضرورة توجيه الاتهام الصريح لكل من تعامل ويتعامل مع نظام بشار الاسد، من غير حاجة الى قرينة جرمية او سياسية لا فرق؟!
إن كلمة عمالة ليست في مستوى طبيعة العلاقة السورية بين بعض اللبنانيين والنظام السوري، لكنها تبقى بعيدة تماماً عن سلام التعاطي البرىء، وهذا ما يجب على حزب الله وغيره ان يفهمه في هذه المرحلة بالذات كي لا يستمر الاتهام الصريح بارتكاب جريمة العصر (اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وغيره من شهداء ثورة الاستقلال الثانية) على رغم كل ما يقال عن ان هناك اتهامات جائرة وفي غير محلها السياسي والأمني والاقتصادي – الجرمي التي يزعم البعض أنه في غير وارد اللعب على الألفاظ، بالنسبة الى ما هو مطروح أمام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان من مختلف أوجهها الاتهامية الأمر الذي يحتم معرفة المزيد من التفاصيل ذات العلاقة بعمليات القتل والتفجير والتفخيخ.
صحيح ان ملامسات تفجير المسجدين في طرابلس، تحولت الى قرارات اتهامية في شكل صريح وواضح، ليس لأن المقصود اتهام بعض من ارتكب الجريمة، بل لمعرفة الأسباب التي تحتم معرفة ظروف وملابسات دخول حزب الله حرب الدفاع عن نظام الاسد، باستثناء ما يقال عن ان القرار ليس بيد الحزب، بل بيد «المايسترو» الايراني الضالع بدوره في الحرب السورية على أمل عدم كشف الغطاء بالنسبة الى البقية الباقية من الجرائم التي ارتكبها السوريون مباشرة أم بالواسطة. وفي الحالين لن يكون بوسع حزب الله وايران تبرئة نفسيهما من الجرائم الآنفة، حتى وان توصل بشار الاسد مع روسيا وايران وحزب الله الى المد في عمر حرب محاولة اثبات الموجود؟!
لا بد من القول هنا مراراً وتكراراً ان عظمة الأعمال التي نفذها حزب الله تحت عنوان المقاومة لم تعد بالحجم الحقيقي للكلمة، الا بعد معرفة وتحديد طبيعة علاقته مع النظام السوري، وهذا من الصعب كشف النقاب عنه قبل ان تتضح نتائج الحرب السورية وما اذا كان بوسع بشار الاسد ان يحفظ رأسه ونظامه، خصوصاً ان مجالات تعافيه لم تعد واردة في ظل القرارين الروسي والايراني اللذين باتا يؤثران على حرية قرار الاسد ومخابراته، طالما ان التحضير للجرائم كان بمستوى الضلوع فيها بالأسماء والعناوين التي وردت في القرار الاتهامي لجريمة تفجير المسجدين (…).
لذا، فإن الأمور اللاحقة قد يكون من الصعب على القضاء اللبناني الوصول صراحة الي المرتكبين من مخططين ومنفذين بالنسبة الى جريمة تفجير المسجدين الذين يقيمون خارج لبنان وتحديداً في سوريا، وليس من يعرف ما اذا كانوا لايزالون على قيد الحياة، بعدما أكدت المعلومات على ان معظم رجال الاستخبارات قد قضوا في مواجهات الحرب من اعلاهم الى اسفلهم وبينهم وزراء ونواب وقادة عسكريين وأمنيين؟!
رب قائل ان المحاكمة يجب ان تطاول النظام، لأنه هو من أعطى أوامر القتل والتفجير والاغتيال والتفخيخ والتصفية، لاسيما أنه يستحيل على نظام الحزب الواحد ان تكون هناك حرية التصرف بالأمور الكبيرة الصغيرة على السواء، وهذا معروف وواضح من جانب كبار الشخصيات السورية التي واكبت الارتكابات في لبنان وغيره من لحظة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وسواه من الرسميين والشخصيات السياسية والاعلامية اللبنانية التي كانت على طرفي نقيض مع بشار الاسد وجماعاته.
ومن الآن الى حين معرفة الخطوة القضائية – الأمنية التالية بعد القرار الاتهامي في جريمة تفجير المسجدين في طرابلس، هناك من يتوقع المزيد من كشف الخيوط الاتهامية في اعداد كبيرة من الجرائم السورية المباشرة وغير المباشرة التي ارتكبت في لبنان على مدى سنوات من عمر الاحتلال البغيض لأكثر من ربع قرن من الحكم البوليسي المتهم بارتكاب عشرات الجرائم من دون ان يرف له جفن؟؟