روى قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا، بالتفصيل، مراحل الإعداد لعمليتين إرهابيتين في برج البراجنة وجبل محسن. وبلسان أحد الانتحاريين، حكى عن دقائق المخطط الإرهابي المرسوم، من حين «انعقاد البيعة» لأكثر التنظيمات تشدّداً حتى لحظة التفجير، الذي قتل 43 شهيداً وجرح ما يربو على 200. هنا القصة الكاملة لتفجيري برج البراجنة ومخطط جبل محسن الانتحاري
«شبكة إرهابية محترفة عابرة للوطنية». بهذه العبارة افتتح قاضي التحقيق العسكري رياض أبو غيدا القرار الاتهامي في قضية الهجوم الانتحاري المزدوج في برج البراجنة. فصّل المهمات التي أوكلت إلى 30 مدعى عليهم بين سوري ولبناني، خططوا لتنفيذ عمليتين إرهابيتين، وكيف فشلوا في تنفيذ تفجير في أحد مقاهي جبل محسن، بعدما قبض عناصر فرع المعلومات على الانتحاري.
ثم غاص في تفاصيل العملية التي استهدفت محلة عين السكة في ضاحية بيروت الجنوبية، مخلّفة عشرات الشهداء والجرحى.
ادعى أبو غيدا على المتهمين الثلاثين بجرم الانتماء إلى تنظيم «داعش»، وأنّهم بتوجيه من أميرهم «أبو الوليد السوري» الموجود في مدينة الرقة، خططوا لتنفيذ تفجيرات في مناطق مختلفة من لبنان، فنقل بعضهم متفجرات وأحزمة ناسفة وأسلحة من سوريا إلى لبنان، خُبّئت في شقق استؤجرت في بيروت والشمال. وتولى البعض الآخر نقل انتحاريين. وكشف القرار الاتهامي أنّ السوريين عماد غياث وعامر الفريج المعروف بـ «وليد» نفّذا عمليتين انتحاريتين في الضاحية، كما كشف أن عدداً من الانتحاريين فرّوا.
عرض أبو غيدا المخططين الارهابيين كلٌّ على حدة، فتحدث عن تفاصيل «عملية جبل محسن»، معيداً سرد تفاصيل توقيف ابراهيم الجمل. فذكر أنّ دورية من فرع المعلومات في الشمال اشتبهت بسائق دراجة نارية في محلة القبّة، ولدى محاولة عناصرها استجلاء هويته، شَهَر مسدساً حربياً وحاول الهرب، لكن عناصر الدورية تمكنوا من توقيفه. ولدى محاولة تكبيله، حاول تفجير حزام ناسف كان يرتديه تحت ثيابه، فَمُنِع من ذلك وجرت السيطرة عليه. وبالتحقيق معه، ذكر أنه يعمل «حدّادا افرنجيا» وينشط على مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة تلك التي تعرض فيديوهات عن معارك «داعش»، مؤكّداً إنّه تأثرّ بها وقرر الالتحاق بالتنظيم. يسرد الجمل: «ولهذه الغاية تواصلت مع أبو جليبيب على الفايسبوك وأعلمته برغبتي في الذهاب إلى سوريا للجهاد. وبالفعل انتقلت إلى هناك عبر تركيا وقابلته في غازي عنتاب». ومن هناك نُقل مع آخرين إلى الرقة. وذكر أنّه خضع لدورة شرعية ثم دورة عسكرية تدرب فيها على يد المدعو أبو الوليد. وقال: «أقنعني أبو الوليد بفضل العمليات الاستشهادية عند الله والثواب الذي يحصل عليه مُنفّذها، وأنّ الخيار وقع علي لتنفيذ إحداها». بعد مبايعة الجمل لـ «أبو الوليد»، تعززت الثقة بينهما، فأبلغه «الأمير» السوري أنّ مهمته تقتضي العودة إلى طرابلس لاستئجار إحدى الشقق الآمنة لإيواء انتحاريين يعتزم إرسالهم إلى لبنان، وتخزين متفجرات فيها. ثم سلّمه مبلغ 4 آلاف دولار وهاتفين خلويين، أحدهما من «نوع نوكيا فانوس والآخر «سامسونغ أستعمله للتواصل مع أميري أبو الوليد».
تنفيذاً لأوامر الأمير، توجه الجمل بسيارة أجرة إلى منطقة القبة، قاصداً منزل صديقه خالد زين الدين الملقب بـ«أبو طلحة» ليعلمه بتكليفه تنفيذ مهمة أمنية من جانب «داعش»، طالباً مساعدته على استئجار شقة. يروي الجمل أنّه توجه مع زين الدين إلى منزل بلال البقّار حيث اجتمعوا واتّفقوا على أن يبقى الأول في منزل الأخير لحين تأمين شقة. وبعد يومين، جرى تأمين الشقة التي جرى استئجارها على ثلاثة أشهر. خلال التواصل بين الجمل وأميره عبر الواتساب والتيليغرام، أبلغه الأخير أنّ شخصاً سيصل إلى لبنان. كان هذا الرجل طابخ الأحزمة الناسفة المعروف بـ «وليد». استقبله الجمل لنقله إلى الشقة. ثم جرى تهريب متفجرات وصواعق ولفات فتيل كورتكس وكلل معدنية وأربع بنادق كلاشنيكوف مع مماشطها إلى الشقة ليباشر «وليد» إعداد 8 أحزمة ناسفة وعدة عبوات ناسفة. ونقل الجمل «وليد» إلى بيروت، ثم أوصل له ستة أحزمة ناسفة واحتفظ باثنين. وقد تبين في التحقيقات أنّ «وليد» هو أحد انتحاريي برج البراجنة، وأن الجمل انتقى «بسطة لبيع القهوة» قرب مشروع الحريري في جبل محسن لاستهدافها بعبوة ناسفة موضوعة داخل دراجة نارية في وقت الذروة، وكان سيفجّر نفسه بعد تجمهر الناس إثر انفجار العبوة، لكن جرى توقيفه قبل يوم واحد من التنفيذ.
أما تفجير برج البراجنة، بحسب القرار الاتهامي، فقد نفذه إرهابيان يرتدي كل منهما حزاماً ناسفاً مع دراجة نارية بداخلها حزامان ناسفان مربوطين ببعضهما بعضاً ومعدّين للانفجار بطريقة التحكم عن بُعد مع ساعة توقيت. مكثا لفترة في شقة الأشرفية قبل تنفيذ العملية. واتفق المخططون على أن يركن وليد الدراجة المفخخة في الشارع، يشغّل ساعة التوقيت ثم يبتعد عنها، وبعد انفجارها، يندس بين الناس المتجمهرين ويفجّر نفسه. وفي هذا الوقت، ينتظر الانتحاري الثاني الذي يدعى «عماد»، أمام مستشفى الرسول الأعظم وصول أهالي المصابين والمواطنين، فيفجّر نفسه أمام المدخل. أما الترابط بين عملية عين السكة والعملية الفاشلة في جبل محسن، فقد حصل بعد مقارنة حزام الجمل مع الحزام غير المنفجر في عين السكة، حيث وُجد تطابق كامل. وتبين وجود اتصالات بين الجمل وسطام الشتيوي وإبراهيم رايد، كما تبين أن الشتيوي يتواصل مع شبكتين أمنيتين الأولى في طرابلس والثانية في بيروت. الأولى قوامها بلال البقار وخالد زين الدين. أما الثانية، فتتحرك في الأشرفية وبرج البراجنة. وقد أقفل الرقمان بعد التفجيرين في عين السكة. فجرى رصد معظم أفراد الشبكة وتوقيفهم.
بيّنت التحقيقات أن قائد الشبكة هو الإرهابي «أبو البراء»، أحد قادة أمن «داعش» في الرقة. ومساعده أبو الوليد السوري، فيما المنسق العام للعمليتين هو سطام الشتيوي الذي بيّنت حركة اتصالاته أنّه موجود في عرسال. أما المنسقون المساعدون، فهم السوريون عبد الكريم الشيخ علي وعواد الدرويش ومصطفى الخرام، واللبنانيون بلال وزكريا وحمزة البقار وابراهيم الجمل وخالد زين الدين. وبلغ عدد اللوجستيين 24 شخصاً. وقد سرد الموقوفون من هؤلاء كيفية نقل المتفجرات بين طرابلس وبيروت. وكيفية نقل الأحزمة الناسفة بين شقتي برج البراجنة والأشرفية. وروى أحدهم أنه قبل يومين من العملية، توجه مع الانتحاري وليد إلى أدما حيث تسلّما الأحزمة الناسفة ضمن حقيبتين ومبلغ 5 آلاف دولار من سائق سيارة فان. كذلك عنون أبو غيدا في قراره الاتهامي «سُعاة بريد المتفجرات»، مشيراً إلى أن رئيس السعاة هو المدعى عليه ابراهيم رايد الذي جنّده سطام الشتيوي لنقل إرهابيين ومتفجرات.