لم يسبق أن توافر إجماع عالمي على قضية سياسية – إنسانية كبرى كما هو متوافر في ردّ الفعل على قرار الرئيس الأميركي بشأن القدس. فالتنديد كبير، والإعتراض كبير، والرفض كبير. وباستثناء رئيس وزراء الدولة العبرية بنيامين نتانياهو لم يرتفع صوت واحد، خارج الولايات المتحدة الأميركية، يعلن تأييده لهذا القرار الذي يتعذر وصف الذي إتخذه بأقل من الرعونة أو الغباء أو الجهل أو الإنصياع الى تأثير اللوبي اليهودي أو في تلك كلها.
وفي لبنان نرى أنّ الموقف الداخلي استقطب، هو أيضاً، الأطراف كلها، على الرغم ممّا بينها من إختلافات… وباستثناء بضع «شخصيات» لا وزن لكلامها فإنّ الجميع تناولوا القرار الهجين بالرفض الشديد، وكان رئيس الجمهورية في الطليعة، منذ اللحظة الأولى. ولا ضرورة للتذكير بجميع الذين تحدّثوا في هذا الموضوع الحسّاس.
ولقد يبدو تافهاً ما وصف البعض به القرار بالقول أنه «جريء جداً»… فهذا الوصف لا ينطبق على إعتراف دونالد ترامب بالقدس «عاصمة أبدية» لإسرائيل، وبإعطائه التعليمات للإسراع في نقل السفارة الأميركية من تل أبيب الى المدينة المقدسة… لأنه لا يوجد عاقل يتمعّن في أبعاد هذا القرار يمكنه أن يقدم عليه، خصوصاً إذا كان في الموقع الكبير الذي يتحمل من خلاله مسؤولية عالمية عابرة للقارات… ذلك أنّ ما يمكن أن يترتب على هكذا قرار هو، في أضعف الإيمان، فوضى عالمية، واضطرابات عديدة، وجولة جديدة من الدماء في منطقة الشرق الأوسط والعالم عموماً، وتعميق الجراح، ومضاعفة الأحقاد، ووأد المرحلة التي كانت المساعي السلمية قد إجتازتها في الأشهر الأخيرة، وإن ببطء.
فهل أنّ شخصاً مسؤولاً يمكن أن يتخذ قراراً ومواقف تؤدي الى مثل هكذا حال منتظرة ويكون جريئاً وشجاعاً؟ أو أنه يكون متهوراً وأحمق وجاهلاً عاقبة أفعاله؟!
وفي تقديرنا أنّ لبنان هو من أكثر البلدان تأثراً بهذا القرار بعد فلسطين وشعبها، وأساساً نحن معنيون بقضية فلسطين ليس فقط بسبب التجارب (الحلوة؟ و… المرّة) التي عشناها جراء القضية الفلسطينية، ولا فقط بسبب الأثمان الباهظة (جداً) التي سدّدناها منذ نحو سبعين سنة مرت على «النكبة»… إنما كذلك بسبب اللجوء الفلسطيني الكثيف (نحو 500 ألف) الذي يقيم بين ظهرانينا على أمل «العودة»… ولا شكّ في أن هذه العودة تعرّضت بعد قرار ترامب الى ضربة شديدة نخشى أن نقول إنها قاضية!
إن الرئيس الأميركي الذي إبتز العرب والمسلمين، وأيضاً قراراته المجحفة بحق المهاجرين الى الولايات المتحدة، يمثل أبشع نموذج عن العنجهية الفارغة، وعن الثقافة المعدومة، وعن المعرفة الضئيلة، وعن الفكر المحدود… ما يدعو الى التساؤل ما إذا كان وصوله الى البيت الأبيض هو مجرّد مصادفة أو إنه نتيجة مخطط جهنمي كبير وضع أمام الناخب الأميركي واحداً من خيارين: هيلاري كلينتون «بائعة نفسها للشيطان» ودونالد ترامب المهرّج «عابد المال» ذي الشخصية الغارقة في البهرجة على حقيقة جوانية سوداء!
ويبقى المهم أن تكون ردود الفعل (في لبنان) محصورة، بالنطاق الذي يحمي السلم الأهلي بكامل معانيه ومندرجاته.