سلسلة الرتب والرواتب، أبصرت النور، بصيصا، وجاءت الولادة قيصرية، من دون مشارط، وبغياب القابلة القانونية المفترض أن تحتضنها، وهي الموازنة، التي فرضت الحزازات السياسية أن تأتي بعدها، وليس قبلها، كما هي طبيعة الأشياء…
المجلس النيابي سيّد نفسه، هذه القاعدة أوجب تطبيقها، ان توضع العربة أمام الحصان، ومن هنا جاء نقصان الأوكسيجين، أي المال المرصود لتمويلها، وهذا ما أملى ابقاءها في الحاضنة للانعاش، والانعاش يتطلب واحدا من أمرين، اما المزيد من الضرائب، واما إقفال مزاريب الهدر والارتزاق.
واذا كانت الضرائب تثير حنق الناس المزكومين بروائح الفساد، فان مدّ اليد الى الجيوب المنتفخة، ليس من عادة أرباب المال والسلطة التساهل حياله. وعلّ هذا الخوف من ان لا يستقوي جحا إلاّ على خالته… من خلال اختصار الطريق الى الضرائب، التي هي الينابيع السهلة المعارج، تجنّبا للاصطدام بمن سمّاهم الرئيس بري حيتان المال، يضاف اليهم أصحاب الحقوق المكتسبة…
الرئيس سعد الحريري انضم الى رئيس المجلس في دعم السلسلة ومتمماتها، فيما بقي الرئيس ميشال عون على رأيه بأن القائد العسكري لا يخوض حربا، قبل استكمال تجهيزاتها، بمعنى ان الأجدى كان إقرار الموازنة، ومن ضمنها السلسلة، وليس العكس.
هذا الانقسام السياسي الواضح، يمكن ان يتحوّل الى شرخ، ما لم ينته مخاض ولادة الموازنة العامة مسبوقة ب طقّ ميّة الراس التي هي قطع حسابات الموازنة السابقة، المسؤولة عن اعاقة ولادة الموازنات، منذ ١٢ سنة…
وهو الى ذلك أتاح للمعارضة، على أشكالها ودوافعها المتعددة، التصويب، على السلسلة، قبل أن يجفّ حبرها. فبعد اعلان حزب الكتائب الطعن بقانون الضرائب الداعم للسلسلة، قرّر العسكريون المتقاعدون الطعن أمام المجلس الدستوري، رفضا لتجزئة حقوقهم، واعتكف القضاة عن العمل، ونفذ أساتذة الجامعة اللبنانية اضرابا تحذيريا.
النائب سامي الجميّل ناشد الرئيس عون ردّ قانون السلسلة الى مجلس النواب لاعادة دراسته انقاذا للاقتصاد ولذوي الدخل المحدود، وفي رأي الجميّل ان الضرائب الجديدة غايتها تمويل المعارك الانتخابية وليس سلسلة الرتب.
على انه في حال عدم ردّ الرئيس لقانون السلسلة، فان هناك حراكا نيابيا لجمع تواقيع عشرة نواب من أجل الطعن به أمام المجلس الدستوري، وقد أبدى ستة نواب استعدادهم لتوقيع الطعن، حتى الآن.
وفيما وقفت كتلة الوفاء للمقاومة الى جانب الرئيسين بري والحريري الداعمين للسلسلة، كان رأي رئيس اللقاء النيابي الديمقراطي وليد جنبلاط، كرأي الرئيس عون، لجهة أولوية الموازنة على السلسلة. والتحقق من الموارد هو المدخل الصحيح ولكن ما من سامع…
هذا الاصطفاف السياسي، يصعّب على رئيس الجمهورية ردّ القانون المقصود، خصوصا وانه ليس ضدّ السلسلة بذاتها، انما اعتراضه على استعجال اقامة المعلف قبل توفير العلف…
الرئيس بري، استبق الاعتراض على تعجيله السلسلة على الموازنة باعلان الاستعداد لعقد جلسة تشريعية فور عودة الرئيس سعد الحريري من واشنطن، لكن هل هو سفر رئيس الحكومة المعضلة ليكون بعودته الحلّ؟ وماذا عن عقدة قطع حساب الموازنات السابقة، هل من استثناء لمرة واحدة وأخيرة لاجتياز نفق قطع الحساب الضيّق، أم ان وراء الأكمة ما وراءها؟
الراهن، انه الى جانب العامل الظرفي المتمثل بغياب الرئيس الحريري عن البلد، ثمة تطورات ميدانية يمكن ان تحصل على مستوى الوضع الساخن في جرود عرسال، حيث يكاد مسلحو داعش والنصرة أن يصبحوا بين مطرقة الطيران السوري وسندان حزب الله، كل هذه المعوقات، تدفع بسلسلة الرتب والرواتب الى الثلاجة مرة أخرى.
أحد الحكماء يشبّه السياسيين في العالم، بقردة الغابات، اذا تشاجروا أفسدوا الزرع، واذا تصالحوا أكلوا المحصول…
وحاشى أن يكون سياسيونا منهم…