يندرج التصعيد «الإسرائيلي» المتدرج على جبهة الترسيم البحري في الأيام الماضية، في سياق مراكمة الأوراق «الإنتخابية» في الداخل «الإسرائيلي»، وهو ما دفع ووفق مصادر ديبلوماسية مطلعة، إلى حصول تراجع في الأجواء الإيجابية التي كانت قد شاعت على مدى الشهر الماضي، عندما كان الوسيط الأميركي في ملف الترسيم آموس هوكشتاين، ينقل إلى «الإسرائيليين» الطرح اللبناني بالنسبة للإتفاق المرتقب، والذي بقي حتى الساعة من دون أي أجوبة واضحة. وبرأي هذه المصادر، فإن «الأرض» على الجبهة الجنوبية لا تخلو من التوتر في ظلّ السباق في المواقف التصعيدية، بينما ملف التفاوض لم يسلك طريقه إلى الحسم، على الأقلّ ليس بحسب ما كان متوقعاً في مطلع شهر أيلول المقبل.
وفي هذا السياق، فإن الإتفاق على الترسيم البحري، قد تحول اليوم وبفعل الإشتباك السياسي على الصعيد الإقليمي، إلى عنوان للمزايدات الإنتخابية في «إسرائيل»، ومن شأن هذا الأمر أن يزيد من حجم التعقيدات الموجودة في الأساس على طاولة الوسيط الأميركي، الذي ما زال يواصل مساعيه، ولكن وسط جدار سميك من الكتمان، بحيث أن أية معلومات لم تتسرب إلى الأوساط السياسية اللبنانية المعنية بملف الترسيم، باستثناء ما كان قد أعلنه نائب رئيس المجلس النيابي الياس بو صعب في بيانه حول اتصاله الهاتفي بالوسيط الأميركي منذ أيام.
ومن هنا، فإن الغموض الذي ما زال يحيط بالتقدم الذي أحرزته الوساطة الأميركية، يحمل طابعين: الأول إيجابي باحتمال الوصول إلى اتفاق مع اكتمال الإستعدادات الميدانية لبدء أعمال استخراج الغاز من حقل «كاريش»، كما أعلنت الشركة اليونانية «إنرجين» في بيانٍ رسمي أخيراً أكدت فيه أنها تستعد لمباشرة العمل في غضون أسابيع، وأن إنتاج الغاز سيجري وفق ما هو محدد في الربع الأخير من العام الحالي.
وإزاء هذه المعطيات، تعتبر المصادر الديبلوماسية أن أكثر من سيناريو ينتظر الترسيم البحري في أيلول المقبل، والذي من المتوقع أن لا يكون شهر الحسم في هذا الملف، وبالتالي فإن الإتفاق المرتقب قد يتأخر إلى ما بعد الإنتخابات «الإسرائيلية»، أو قد يتحول إلى عنوانٍ للمزايدات في الحملات ما بين المرشحين الذين يتسابقون في توجيه التهديدات والإنذارات.
وبالتالي، تُضيف المصادر الديبلوماسية أن سيناريو إنجاز اتفاق الترسيم هو احتمال قائمٌ، مشيرةً إلى أنه قد يحصل اتفاقٌ أولي مع تأجيل الإتفاق النهائي، وهو ما قد يسحب أية فرص للتصعيد والمواجهة على الجبهة الجنوبية. وتكشف عن أن الإدارة الأميركية التي ترعى المفاوضات، تضع في أولوياتها، الحفاظ على الإستقرار الميداني على الحدود الجنوبية، لذلك فإن هوكشتاين، يجهد من أجل التوصل إلى الإتفاق ونزع أية فتائل قد تدفع نحو التصعيد وانزلاق الوضع الميداني إلى المواجهة العسكرية. ولذلك فإن احتمالات ترحيل الإتفاق كما استخراج الغاز من حقل «كاريش»، تبقى واردة بقوة، وقد تشكّل المخرج المناسب لتفادي أي خيارات سلبية أو مواجهات ميدانية.