الأنظار المتجهة على الواقع الميداني من جهتي الحدود ملتهية «بحسابات الربح» المتصلة بعملية الحزب التي اعادت «توازن الردع» الى ما كان عليه قبل غارة القنيطرة من جهة،وتكريس الربط الميداني بين جبهتي الجولان ومزارع شبعا من جهة ثانية، أبرزت اوساط سياسية قريبة من الثامن من آذار دقة العملية المنفذة لجهة الزمان والمكان والحجم والظروف، مستفيدا من «حزام امان» الذي وفره الحوار الاميركي-الايراني لتوجيه ضربته،وعدم رغبة رئيس الحكومة الاسرائيلية بالمخاطرة بمعركة مكلفة قبيل الانتخابات مفوتا على اسرائيل فرصة استخدامها حجة لحرب كبيرة لا قدرة لها على خوضها في هذه المرحلة.
وفيما اعلنت اسرائيل احتفاظها بحق الرد على وقع تشييعها لجندييها، احتدم النقاش داخل المؤسستين العسكرية والسياسية حول المغامرة الاسرائيلية والاخفاقات التي جعلت خلية حزب الله تتقدم نحو الحدود وترصد تحركات الجيش وتوجه له الضربة، حيث انعكس غضب ما حدث كنتاج لسياسة رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو، الذي واصل تهديداته معلنا ان ايران تقف خلف العملية.
عزز تلك الانتقادات نشر صحيفة «يديعوت احرنوت «، تفاصيل التحقيق الاولي الذي اجراه الجيش الاسرائيلي، والذي بين ان نصف ساعة هي المدة الفاصلة بين صعود المركبات غير المصفحة الى جبل الشيخ بغرض استطلاع المنطقة وبين اطلاق حزب الله صواريخه، كاشفة ان الاجهزة الاستخباراتية الاسرائيلية تبلغت تقارير عن اجتماع «مجلس شورى المجاهدين» في حزب الله عشية غارة القنيطرة برئاسة السيد حسن نصر الله حيث اتخذ القرار بالرد خلال مهلة عشرة ايام على الاكثر، حيث جرى نشر عشرات من وحدات النخبة في الحزب على طول الحدود، والصواريخ المضادة للدروع والقناصين، بانتظار ساعة الصفر.
وبحسب التحقيق الاسرائيلي صعدت عند الساعة الحادية عشرة قافلة تضم خمس مركبات الى جبل الشيخ لتفقد المنطقة من بينها سيارتي جيب عسكريتين وثلاث مدنية غير مدرعة من نوع تنادر D-MAX غير مصفحة، حملت على متنها جنودا من كتيبة «صبار» في لواء «جفعاتي»، في مهمة استطلاعية قبل نشر الكتيبة على الجبهة.عند الساعة الحادية عشرة والعشرين دقيقة تلقى آمر المجموعة امرا من قائد المنطقة بالغاء الجولة والعودة فاستدارت القافلة وعادت ادراجها، سالكة الطريق الذي يربط بين كريات شمونة والطريق المدني المؤدي إلى قرية الغجر، وبعد التقدم 400 متر شمالاً نحو الطريق العسكري، توقفت القافلة عند حاجز عسكري مستحدث لمنع المدنيين الإسرائيليين من غير سكان الغجر من عبور الطريق بسبب التوتر بعد غارة القنيطرة، في تمام الساعة الحادية عشرة وثلاثين دقيقة، حيث اجرى الجنود حديثا مع افراد سيارة مدنية تواجدت في المكان، عندها استغل الحزب الوضع فاطلق ستة صواريخ متطورة من نوع «كورنيت» من الجيل الرابع نحو القافلة، اصاب الصاروخ الاول احدى المركبات بشكل مباشر فسقط على الفور من بداخلها بين قتيل وجريح، عندها جرى اخلاء سائر المركبات لذلك حين سقط الصاروخ الثاني واحرق جيبا عسكريا لم يسقط جنود اضافيون بل مجرد جرحى، واصل الحزب اطلاق صواريخه فلم تصب ثلاثة منها اي هدف فيما اصاب آخر منزل في بلدة الغجر، حينها أطلق الجيش الإسرائيلي قذائف دخانية بقصد التشويش على إمكان رصد «حزب الله» باقي القوة ومواصلة استهدافها. وأطلق أيضاً بموازاة ذلك حوالى 100 قذيفة مدفعية ودبابات باتجاه ما اعتبرته إسرائيل «مواقع اطلاق الصواريخ».
ويعتقد التحقيق الاسرائىلي ان عناصر حزب الله لاحظوا من بلدة الخيام توقف القافلة التي كانوا يراقبونها وهم على الارجح كانوا ينتظرون عودتها من الطريق المؤدي الى الغجر لكنهم استفادوا من توقف القافلة لاستهدافها.
نجح الحزب في توجيه ضربة تكتيكية عبر استهدافه القافلة الاسرائيلية، كرد الضربة الاستراتيجية التي وجهتها تل ابيب عبر استهدافها للقيادة الجديدة في الجولان، فقد ضرب ضربته المدوزنة قانونياً وعسكرياً، واسرائيل إبتلعت الضربة، وبعد قذائف فشة الخلق اوحت تل ابيب بأن الرد طبق بارد، بينما اوحى حزب الله بأن رده الانتقامي بصورته التي رأيناها لن يكون الأخير لأن شهداء القنيطرة أغلى ويستأهلون ضباطا اسرائيليين من رتب أعلى. أما في الاستراتيجي فيما لم يعلن صراحة بعد ان قواعد الاشتباك تغيرت وكذلك مساحة الاشتباك التي توسعت من الناقورة الى الجولان.فما بعد عملية المزارع ليس كما قبلها.