IMLebanon

الأخبار» تجول على تلال عرسال: المبادرة في يد الجيش

تعيش الجرود البقاعية على وقع طبول «حرب الربيع» المرتقبة. بعدما يكاد يتلاشى الرهان على تأثير الثلج في التضييق على المسلّحين المتحصّنين، جُدِّد الرهان، لكن هذه المرة على ذوبانه. عزّز الجيش عديده وحوّل التلال التي كانت عرضة لنيران «جبهة النصرة» إلى مواقع عسكرية محصّنة. «الأخبار» جالت في عرسال وعلى أطرافها حيث بات الجيش ممسكاً بزمام المبادرة

عزل الجيش، أو يكاد، بلدة عرسال عن جرودها. أغلق معظم معابرها باستثناء اثنين: المصيدة ووادي حميد. بقي حاجزان وحيدان من عرسال وإليها. عبر الأوّل، لا يسمح بالمرور سوى للسكان المسجّلة أسماؤهم. فيما تقضي أوامر القيادة بمنع دخول السوريين أو خروجهم عبر الثاني، باستثناء أولئك الذين يعملون لدى أهالي البلدة. بعد تقاطع القرار السياسي مع قرار المؤسسة العسكرية بالحزم، بات الأمر هنا للجيش. عزّز ذلك تغيّر مزاج البيئة الحاضنة في عرسال نفسها، وانقلاب جزء من أهلها ضد «الثوار» السوريين. فبعدما كانت «الثورة» مصدر رزق بسبب تهريب السلاح وإغداق الجمعيات الانسانية الأموال والمساعدات على الوافدين السوريين، حوّل طول أمد «الثورة»، ثم شحّ الأموال تدريجياً، النازحين من كونهم مصدر دخل للعديد من أهالي عرسال إلى عبء اقتصادي واجتماعي وأمني.

حاجز وادي حميد يبعد رمية حجر عن مدينة الملاهي التي اجتازها أهالي العسكريين الأسرى مراراً إلى مقرّ «جبهة النصرة»، ومنها، ربما، عبرت «سيارات الموت» أيضاً. على هذا الحاجز أوقف الجيش نحو خمسين مطلوباً إلى القضاء اللبناني، أبرزهم القيادي في «النصرة» السوري محمد يحيى الذي كان يرتدي حزاماً ناسفاً لدى توقيفه. قبله، أوقف الشقيقان عبدالله ومحمد جمعة من التنظيم نفسه، وكذلك محمد الحجيري ونواف اسحاق المشتبه في اشتراكهما في قتل النقيب بيار بشعلاني والمؤهل خالد زهرمان في شباط ٢٠١٣. أما المعبران الآخران المعروفان بمعبري وادي الرعيان والحصن فقد أُقفلا تماماً.

الجيش يفرض معادلة

جديدة: أي محاولة تسلل ستقابل بدهم مخيمات النازحين السوريين داخل عرسال

طائرات من دون طيار تُجري

مسحاً يومياً للمنطقة بما يسمح للجيش بتحديد أهدافه بدقة

هكذا انقلبت الآية في عرسال وأطبق «عسكر لبنان» على كل التلال المحيطة بعرسال. وبعدما كان الجيش الحلقة الأضعف في مواجهة مسلّحي «النصرة» و«الدولة الإسلامية» و«الجيش الحرّ»، وكان جنوده يدافعون عن أنفسهم دفاعاً سلبياً، أصبحت المبادرة في يده: يهاجم المجموعات المسلّحة، ويضرب المتسلّلين من أفرادها، ويُنفّذ عمليات الدهم ويُحكم الطوق على مداخل عرسال لتضييق الخناق عليهم في الجرود. وقد بدأ هذا التغيير النوعي تدريجياً بعد تشكيلات جديدة في قيادة لواء المشاة الثامن.

بدأت جولة «الأخبار» من قيادة لواء المشاة الثامن في اللبوة في سيارة هامفي مصفّحة، من تلك التي قدمها الأميركيون أخيراً للمؤسسة العسكرية، وبمواكبة دورية من سيارتين رباعيتي الدفع نوع «ديفندر». على مدخل بلدة مقالع الصخور الصلبة، استُحدث مركزٌ للأمن العام حيث يتجمّع عشرات السوريين، بعدما بات عبورهم من خلال حاجز الجيش إلى البلدة ومنها ممنوعاً من دون إذن. على مشارف البلدة، وفي داخلها وعلى مخارجها، عزّز الجيش انتشاره. شقّ طرقات جديدة إلى مواقع عسكرية مستحدثة، وحصّن الطرقات الوعرة المؤدية إليها وزرع حول بعضها حقول ألغام جديدة. أسلحة جديدة «حُلِّل» للجيش استخدامها. قنّاصات بمناظير ليلية وهاون متفجّر، هما السلاحان الأمضى في معركة الاستنزاف التي تدور رحاها منذ أشهر. أي تحرّك أو محاولة تسلل، ليلاً أو نهاراً، تُضرب على الفور. القصف على المواقع المنتشرة في الجرود أو على أي حركة مشبوهة بات روتيناً يومياً لإنهاك المسلّحين، أو أقلّه منعهم من التحرّك بحرية. فيما طائرات من دون طيار تُجري مسحاً دقيقاً بشكل يومي للمنطقة بما يسمح للجيش بتحديد أهدافه بدقة. حركة السيارات باتت مضبوطة، لا سيما بعد ضبط أكثر من سيارة مفخخة. المعادلة الجديدة في الميدان ترافقت مع فرض الجيش موازين قوى من نوع آخر: أي اختراق أو محاولة تسلل ستقابل بدهم مخيمات اللاجئين السوريين داخل عرسال حيث بات الجيش يقرن الاستعلام بالأمن العسكري، ويُجنّد المخبرين ويفرض حظراً على كل ما يمكن أن يستخدمه المسلّحون.

تتعدد فرضيات المواجهة. في مقابل من يقول باستحالة صمود الجيش أو تأثيره على المسلّحين المتحصّنين في الجرود أو حتى قطع الإمداد عنهم، يجزم الضبّاط بالعكس ويتحدثون عن نقلة نوعية من الدفاع إلى الهجوم مع وجود خمسة آلاف عسكري ينتشرون في النقاط الاستراتيجية المشرفة على الجرود. حتى معنويات العسكريين من البقاع وعكار وبيروت والجنوب تغيّرت. بعد الانكسار السابق الذي أعقب أسر عسكريين من دون مواجهة، باتت الرغبة في القتال والمواجهة مضاعفة. ويستمدّ هؤلاء القوة من موقف قيادة الجيش الحازم بعد طول تخبّط بسبب المداخلات السياسية.

تجزم المعلومات الأمنية بأن قيادات وعناصر من «النصرة» و«الدولة» لا يزالون حتى اليوم يختبئون داخل البلدة البقاعية. مقر أمير «جبهة النصرة» أبو مالك التلّي في مكان يُعرف باسم «وادي الخيل» يبعد عن عرسال نحو ثمانية كيلومترات. وتضيف أنّ أبرز قياديي «النصرة»، نور الدين الجزائري و«الأمير» زياد التونسي، موجودان في المواقع التابعة لـ «الجبهة». أما العسكريون المخطوفون، فلدى زملائهم في الجيش نظرة أخرى. التطوّع في الجيش تضحية، والأسرى جزء من هذه التضحية، ولذلك «لن يعودوا إلا بالقوة».

الحرب المرتقبة مع بداية فصل الربيع، ينتظرها الجيش مقلِّلاً من خطرها. يستند الضباط إلى فرضية أن المسلّحين أُنهكوا. يعززون ذلك بحديثهم عن نقص الإمدادات الغذائية وغيرها، علماً أن المعلومات تشير الى أن المسلحين يموّنون أنفسهم من قرى سورية في الداخل كبلدة فليطا وغيرها. ويعزز هذه الفرضية محاول أحد العراسلة إدخال شاحنة محمّلة بالبطاطا آتية من الجرود. أما المازوت، الذي يُستخدم للتدفئة وتشغيل المولدات الكهربائية، فرغم تشديد الجيش الرقابة وحظره تهريب كل ما يُمكن أن يستفيد منه المسلّحون، إلا أن المعلومات تُفيد بأن مسلّحي الجرود خزّنوا كميات كبيرة من هذه المادة تحسّباً لأي طارئ. لكن، في نظر الجيش، فإن ذلك لا يغيّر من مجريات الأمور ومن التقديرات، لا سيما في ظل غياب أي عمق للمجموعات المحاصرة في الجرود. إضافة إلى وجود إجماع لدى ثلاثي المواجهة، الجيشين اللبناني والسوري وحزب الله، على إنهاء استنزاف هذه الخاصرة. ورغم نفي المصادر العسكرية التفاوض مع المسلّحين لفتح أي ممر لهم للانسحاب، ذكرت مصادر لـ «الأخبار» أن بعض المجموعات طلبت بالفعل تسهيل انسحابها في اتجاه الرقة أو غوطة دمشق قبل قطع الطريق نهائياً.

في الجرود اليوم، لا صوت يعلو صوت المعركة القادمة بعد أسابيع، والتي سيُشارك فيها الجيش السوري كقوة إسناد وغطاء جوي، والجيش اللبناني في ضبط الحدود ومنع التسلل، فيما سيكون حزب الله رأس حربة الهجوم كالمعتاد، رغم وعورة الجرود وتحصّن المسلّحين. غير أن السؤال الذي يبقى مطروحاً: هل تُفتح جبهة جديدة، في هذا التوقيت بالذات، لتُضاف إلى معارك أخرى تستعر على أكثر من جبهة في الداخل السوري؟

كبتاغون عرسالي

تتّفق المجموعات الجهادية على تحريم تصنيع مختلف أنواع المخدرات أو حتى الاتجار بها. وتعمد هذه المجموعات إلى إتلاف المضبوط منها وإغلاق مصانعها، لكن بعض فصائل «الجيش الحر» امتهنت تصنيع الكبتاغون وتهريبه.

وقد اشتهرت فليطا في هذا الخصوص، حيث شُيّد فيها معمل لتصنيع الكبتاغون، كان مصدر العديد من الشحنات المهرّبة التي ضُبطت في لبنان. وفي عرسال، بحسب المعلومات الأمنية، برز في الآونة الأخيرة ابن بلدة عرسال عبداللطيف أمون، بوصفه أحد أبرز مصنّعي الكبتاغون في الجرود. وتكشف المعلومات الأمنية أن أمون بات المتهم الأبرز في ترويج الكبتاغون وتوريده من عرسال إلى خارجها، ومن ثم إلى خارج لبنان.