ما شهدناه هنا اليوم في مجلس الأمن، اهانة لن تنسى! وصاحبة هذا القول هي نيكي هايلي سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى الأمم المتحدة، بعد تصويت مجلس الأمن الدولي على مشروع قرار مصري يطلب سحب اعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن القدس. وعلى الرغم من كل ما قيل على امتداد العالم في انتقاد قرار ترامب وشجبه واستنكاره والتنديد به، فان ما قالته السيدة نيكي هايلي يبقى هو الأشدّ فصاحة والأكثر تعبيرا والأعمق إيلاما والأعظم صدقا بحق الولايات المتحدة ورئيسها وسياساتها، من ضخامة الاهانة التي لحقت بأميركا من جراء تصويت مندوبي العالم ال ١٤ بالاجماع ضدّ اعلان ترامب المتعلق بالقدس. وبقي العضو الخامس عشر وهو ممثل الولايات المتحدة وحيدا ومعزولا في مواجهة العالم، مما اضطره الى استخدام الفيتو لمنع إقرار المشروع! ولعل ما حدث في مجلس الأمن الدولي كان أكثر من اهانة… كان هو الاذلال بعينه!
مشروع القرار المصري تمت كتابته بصياغة هي أقرب الى الاحتيال الدبلوماسي! وقدمت خدمة جليلة الى أميركا، وتجنّبت في الوقت نفسه عدم احراج الدول الأربع الأخرى دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وصاحبة الحق في استخدام حق الاعتراض الفيتو.
وقد تجنّب المشروع المصري ذكر اسم الرئيس الأميركي أو اسم الولايات المتحدة، لأنه لو فعل ذلك لكان حرمها من استخدام الفيتو بموجب قوانين الأمم المتحدة التي تمنع الدولة المشكو منها من استخدام هذا الحق. ولو فعل، لكان على أميركا ان تطلب أو تتوسل! الى احدى الدول الأربع الأخرى وهي فرنسا وبريطانيا وروسيا والصين الى استخدام الفيتو بالنيابة عن أميركا! وهو أمر كان سيشكل حرجا شديدا لأي من هذه الدول الأربع، لأنه يعني أن تصوّت الدولة المعنية ضدّ سياستها واقتناعها، أي ضدّ نفسها!
في السياسة والدبلوماسية كما في الحرب، فان قرار الحسم هو في الميدان، وليس في قاعات السبع نجوم! وما سيسقط القرار الجنوني للرئيس ترامب في شأن القدس ليس قرارات مجلس الأمن الدولي، ولا منظمة التعاون الاسلامي، ولا جامعة الدول العربية! ومن سيسقطها هم أبناء الشعب الفلسطيني على أرض فلسطين وفي الشتات. ومع ذلك فان الغطاء السياسي والدبلوماسي مهمّ، وبخاصة على المستوى الدولي، وبالأخص عند قمته الممثلة بمجلس الأمن. والاهانة التالية للولايات المتحدة ستكون أعظم وأعمّ. عندما تصوّت الغالبية الساحقة في الجمعية العامة للأمم المتحدة مع مشروع القرار لسحب قرار ترامب المتعلق بالقدس، باستثناء أميركا واسرائيل وثلاث دول مجهرية صغيرة في العالم تابعة لأميركا!
في الأمثال العربية قول متداول هو عدو عاقل خير من صديق جاهل. وبالنسبة للعرب والمسلمين والمسيحيين والفلسطينيين، أثبت ترامب العكس، وهو ان العدو الجاهل خير من الصديق العاقل! بدليل ان عقلاء السلطة الفلسطينية والأنظمة العربية ذهبوا بعيدا جدا عن قضية فلسطين بعد غرقهم في حروبهم البينية وأحقادهم الذاتية. ولم يتمكن من اعادة البوصلة نحو القدس وفلسطين سوى هذا القرار الأخرق الأميركي المتعلق بالقدس… فشكرا لك أيها العدو الجاهل دونالد ترامب!