اذا انتهى الكباش السياسي الحاد بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ومعهما رئيس الحكومة سعد الحريري، بتوافق يرسي على دمج جزين وصيدا في دائرة انتخاية واحدة ووفق قانون نسبي، فان الكثير من المتغيرات ستطرأ على الخارطة الانتخابية ومسار الانتخابات بمجملها، مع متغيرات ستسجل في دوائر اخرى معدلة، وهو ما شأنه ان يٌدرج في خانة ارتسام اللوحة السياسية التي ستستقر عليها الساحة اللبنانية، تمهيدا لمرحلة جديدة من الحياة السياسية .
واذا كانت اللوحة السياسية التي ستتمخض عن نتائج الانتخابات ، ستبقى على حالها لجهة خارطة القوى السياسية والحزبية، والحفاظ على قدرتها على التأثير في صناعة القرار، الا ان احجام هذه القوى وحجم تمثيلها النيابي داخل المجلس، سيكون عرضة لما ستتركه الانتخابات من تغير في المزاج الشعبي، او طبيعة القانون الانتخابي، وامام هذه الحالة، فان حسابات القوى والتيارات السياسية والحزبية ستكون محط دراسة وعناية مشددة، لاحتساب نقاط الربح والخسارة، بسبب دخول عوامل عدة قادرة على اجراء تعديلات على المشهد الانتخابي، فيما لو جرت الانتخابات وفق قانون العام 1960، لكن ما تتسم به انتخابات دائرة جزين ـ صيدا، في حال اُقرت، ان الرئيس بري و»حزب الله» سيكونان لاعبان اساسيان في رسم هوية خمسة نواب، من دون ان يكون من بينها مقعد شيعي.
هل يكون السنيورة «ضحية» جمع صيدا وجزين في دائرة واحدة؟
في صيدا، التي «حرّرتها» صفقة الدوحة من تأثير الناخب الشيعي، وكانت فرصة ذهبية للرئيس سعد الحريري ولتياره، لـ «الانقضاض» على مقعدي المدينة المخصصين للطائفة السنية، فحلَّ الرئيس فؤاد السنيورة ضمن لائحة نواب الجنوب، مع النائبة بهية الحريري التي لم تخرج من فلك الكتلة النيابية التي يترأسها الرئيس بري الا حين عادت «صيدا لأهلها»(!)..
الشعار الذي رفعته الحريري لتجييش الناخب الصيداوي في مواجهة خصمها السياسي داخل المدينة امين عام التنظيم الشعبي الناصري الدكتور اسامة سعد، في الانتخابات النيابية الماضية، في اشارة الى ان صيدا لم تعد تحت التأثير الانتخابي والسياسي للقوى الاساسية في الجنوب والممثلة بالثنائي الشيعي الذي تشكله حركة «امل» مع «حزب الله» اللذين شعرا بان صفقة الدوحة اضرت بـ «ألشعبي الناصري» وحليفهما النائب السابق الدكتور اسامة سعد، فبدت الصورة مقلوبة .. من «انهزم» في احداث السابع من ايار، انتصر في السياسة وفي التمثيل الشعبي داخل مجلس النواب، ومن كان في صف «المنتصر»، انهزم في السياسة واٌخرج من المجلس النيابي..وقد عبر الرئيس بري عن هذه «الواقعة» السياسية الهجينة حين توجه خلال وجوده في بلدة حارة صيدا الملاصقة لصيدا الى اسامة سعد بالقول…« لن يعود قانون الـ 60»، سيما وان بري اجرى مصالحات انتخابية عدة بين النائب بهية الحريري والنائب الراحل مصطفى سعد، منذ العام 1992، للالتزام بترشيحهما دون اي اجتهادات سبق ان قامت بها بهية الحريري، حين ظهر مرشح ثان في صيدا محسوب عليها، في محاولة لاسقاط سعد الذي حصل على اعلى نسبة تصويت على مستوى لبنان، بفعل دعم الرئيس بري و«حزب الله» والاحزاب الحليفة لسعد وشرائج اجتماعية عدة على مستوى الجنوب.
وتتحدث بعض الصالونات السياسية في صيدا، عن استكشاف للرئيس السنيورة عما اذا كانت الطريق سالكة للبحث في نقل ترشيحه الى بيروت، في حال تم التوصل الى اقرار الدوائر الانتخابية واعتماد النسبية فيها، بدمج صيدا وجزين في دائرة واحدة، لتجنب الخسارة المحققة في مثل هذه الانتخابات، وسط تقديرات تتحدث عن ان لا بد من «ضحايا» في هذه الانتخابات، بفعل تشابك المصالح وتعقد الحسابات الانتخابية، وقد يكون السنيورة احد هؤلاء الضحايا، التي قد يقدمها الرئيس سعد الحريري لتمرير سلة كاملة على مستوى كل الدوائر.
ولا تخفي اوساط صيداوية متابعة، قدرة التنظيم الشعبي الناصري في صيدا على تشكيل تهديد حقيقي للمقعد الثاني الذي يشغله السنيورة، طالما ان القيود التي سيجت صيدا لتكون دائرة بذاتها قد كُسرت، وكُسر معها الاستئثار بالمقعدين بفضل قانون «الاكثري».. فالنسبية عند السنيورة، او دمج صيدا بمنطقة اخرى في الزهراني او جزين، ستكون نهاية «رحلته» النيابية، لان ترشحه في صيدا لمرتين وفوزه بغطاء من النائبة بهية الحريري و»تيار المستقبل»، لم يكن ليتم لولا اعتماد قانون انتخاب قائم على الاكثرية، وقد وصلت الى «بيت الوسط» اصداء الاستياء الذي يعتري السنيورة من الليونة التي ابداها الرئيس الحريري تجاه مسألة الدمج بين صيدا وجزين، وهو ما سيُدخل لاعبين اقوياء في ملعب اوسع من الملعب الصيداوي، وبالتالي، فان كل الحسابات الصيداوية التي كان يعتمد عليها السنيورة قد اطاح بها دمج عاصمة الجنوب و«عروس الشلال».
في «عروس الشلال» : «زفاف» انتخابي .. بحسابات معقدة
اما في جزين… التي تحظى بعناية فائقة من الثنائي الماروني، التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، ترجمها تحالف قام بين الطرفين في الانتخابات الفرعية لملء مقعد شاغر بسبب الوفاة، كذلك الامر في الانتخابات البلدية لجزين، واعطى نتائج دسمة للتيار .. في النيابية وفي البلدية، بحيث اصبح التيار يمثل جزين نيابيا بمقاعدها الثلاثة (مقعدان للموارنة ومقعد للروم الكاثوليك )، ومحليا ببلديتها، في ظل انتعاش في شعبية «القوات اللبنانية»، وكل ذلك تم على حساب الزعامات الجزينية العريقة التي توالت على التمثيل الجزيني لعروس الشلال، على مدى عقود عدة..
في جزين تكثر حسابات التيار الوطني الحر الانتخابية، سواء مع «حزب الله» ام مع القوات اللبنانية، وهو ما تفرضه نسبة وازنة من اصوات الناخبين الشيعة في قرى وبلدات جزينية وداخل مدينة صيدا، يشكل «حزب الله» مع حركة «امل» ثقلا انتخابيا فيها سيُجيَّر حكما للحليف الصيداوي الذي يمثله امين عام التنظيم الشعبي الناصري الدكتور اسامة سعد القادر على صياغة تحالف مع التيار الوطني الحر، الذي قد لا يمضي بتحالف كامل على مستوى الدائرة مع القوات اللبنانية، لارتباطه بتحالفات على الجبهتين السنية في صيدا والشيعية في قرى جزين، فيما بدأت ترتسم نوايا تحالفية بين «تيار المستقبل» و«القوات اللبنانية»، وارضيته متوفرة.، واذا كانت خارطة التحالفات، سترسو جزينيا على تحالف التيار والقوات في جزين، الا ان الطرفين سيقيمان تحالفاتهما الصيداوية مع القطبين الاساسيين فيها، «تيار المستقبل» الذي يقيم علاقات متينة مع القوات، والتنظيم الشعبي الناصري الذي تربطه بـ «التيار الوطني الحر» علاقات جيدة وشبكة من التحالفات على غير مستوى.