الحكومة في تقاعد مبكر.. بانتظار «البطاقة الحمراء»
اشتداد الاشتباك الإقليمي.. لا يهزّ «عرش» الاستقرار المحلي
يمسك تمّام بك بورقة استقالته من رئاسة الحكومة، حتى ولو لم يكن هناك من رئيس للجمهورية لوضعها على طاولته، كلما سدّ الأفق بوجهه. وللمفارقة، فإنّ «دولته» يقف أمام حائط مسدود منذ دخوله نادي رؤساء الحكومات، محارباً طواحين الخلافات السياسية التي تعصف بحكومته وتهدد تضامن مكوناتها ووحدة صفها.
ولكن لهذه الجولة محاذيرها الإضافية التي تزيد من الضغط على كتفيه وتدفع به أكثر فأكثر الى ملجأ الاستقالة، علّها تشكل صدمة إيجابية تلزم القوى السياسية المتصارعة، على تقديم بعض التنازلات في سبيل ترقيع الوضع الحكومي.
غير أنّ الوجه السلبي لهذا السيناريو يكمن في كون الحكومة صارت حكماً في مصاف المؤسسات العاطلة عن العمل. وبالفعل، فقد استسلم دعاة انقاذها لفكرة عدم القدرة على إنعاشها، بفعل إصرار الجنرال ميشال عون على «الاعتكاف» مدعوماً بحلفائه المسيحيين و «حزب الله»، بعدما عجز عن فرض الترقيات العسكرية، على رغم سعيه الجديّ الى تكريسها كثمن لبقاء الحكومة.
يجزم أحد المتابعين لملف الترقيات أنّ المسؤولين في تيار «المستقبل» لم يناوروا في جولتهم الأخيرة لا بل حاولوا تسهيل بند الترقيات العسكرية، ليس طمعاً بصداقة العماد ميشال عون، وإنما شراءً للحكومة، لكنهم اصطدموا بواقع الصراعات المسيحية، إذ إن تصفية الحسابات بين القوى المسيحية، وتحديداً بين ميشال عون من جهة والرئيس ميشال سليمان بالتضامن والتكافل مع «الكتائب» من جهة ثانية، هي التي أسقطت الجولة الأخيرة من التسوية وحالت دون رؤيتها النور، ما يعني بالنتيجة إحالة الحكومة إلى «تقاعد مبكر»، سيصعب من بعدها إيجاد أي صيغة توافقية تعيد النبض إلى جسد الحكومة.
ولهذا، ربما يترك تمام سلام ورقته الأخيرة في جيبه، كونه يعرف جيداً أن رفعها بوجه الجميع كبطاقة الحمراء تخرجه من الحلبة وتحرج البقية، فيما لن يغيّر الاحتفاظ بها شيئاً في المسار السياسي المتجمد. ولهذا هو يلجأ إلى التجاوب مع اتصالات التروي التي تأتيه من الحلفاء المحليين والاقليميين وتدعوه الى «الصبر والتصبّر».
بموازاة ذلك، يتصرف كل الأفرقاء السياسيين على أنّه «ما باليد حيلة». أقصى ما يمكن القيام به هو التمسك بشعرة الاستقرار الرقيقة التي تحمي الساحة الداخلية من حمم البركان المتفجر من حولها، طالما أنّ القرار الدولي بتحييد الداخل اللبناني لم يتغيّر، برغم أنّ الاشتباك الإقليمي وتحديداً الإيراني ـ السعودي يسلك مساراً تصاعدياً قد يهدد كل بقع التوتر.
هكذا، فإنّ رصد بورصة السجال الإيراني ـ السعودي، لاسيما بعد المصادقة على حكم الإعدام بحق الشيخ نمر النمر، يشي بأنّ رقعة الاشتباك قد تتوسع، خصوصاً أنّ احتمالات التلاقي والحوار بين الدولتين الخصمتين، لا تزال بعيدة. لا بل تدلّ المواقف على أنّ هذا الصراع المتعدد الساحات، قد يتمدد أكثر وقد يزيد من منسوب توتره.
إلا أنّ استمرار طاولة الحوار الثنائي بين «حزب الله» و«تيار المستقبل» في موعدها اليوم، كما كان مقرراً لها، يبعد شبح التوتر عن الساحة اللبنانية، خصوصاً أنّ الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله أكد على أهمية الحوار في الخطاب التصعيدي ذاته الذي تناول فيه السعودية، ما يعني أنّ خطاً أحمر لا يزال مرسوماً خلف الحدود اللبنانية ويقيها شرّ التفلّت الأمني والسياسي.
ويبدو، وفق بعض المطلعين على العلاقة اللبنانية ـ السعودية، أنّ الرياض متمــسكة بورقة الاستقرار اللبناني مع أنّ حلفاءها يتعرضون للضغط السياسي، سواء في الحكومة أو في خارجها، وهي تعتبر أنّ الاشتباك الأساسي يحصل على الأرض السورية. وبالتالي، فإنّ تعديل موازين القوى يكون من خلال تغيير مسار الحرب السورية وفرض سيناريوهات تكون لصالحها، وفي حال حصل هذا الأمر فإنّ النتائج ستنعكس حكماً على الساحة اللبنانية.
لهذا يقول هؤلاء إنّ الرياض ليست مستعدة أبداً لتصعيد حراكها على الرقعة اللبنانية وجرّها إلى التوتر، ولهذا تبقي على طاولة الحوار مع «حزب الله» حيّة ترزق، وإن كانت ثمارها محدودة جداً، فيما يبدو أيضاً أن الضاحية الجنوبية تتصرف بالمنحى ذاته. بالنتيجة، سيبقى الوضع اللبناني مضبوطاً، ولو مشلولاً، مع أنه يقف على فالق زلازل المنطقة.. الى أن تقول التطورات الاقليمية كلمتها.