IMLebanon

حرصاً على المكوّن المسيحي الوازن!

مِن مسلمات العمل الوطني والسياسي أن مسؤولية الأحزاب والقوى السياسية، تتحدد عادة على حجم شعبيتها، في أوساط جمهورها الملتزم أو المناصر، وهو المقياس المعتمد أيضاً في تمثيل الأحزاب والقوى في السلطة التنفيذية، بحيث تكون الحكومات من لون حزبي واحد، عند فوز الحزب في أغلبية مقاعد البرلمان، وتتحوّل إلى الصيغة الائتلافية، وتضم ألوان المكوّنات الحزبية المتوافقة على المشاركة في حكومة واحدة.

ولأن الحياة الحزبية ليست منتظمة في لبنان، كما هي عادة في بلدان مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والمانيا، وغيرها كثير، فقد كانت الحكومات الائتلافية هي الخيار الأكثر رواجاً في عهد دستور الطائف، حيث أصبحت الحكومات، خاصة بعد الخروج السوري من لبنان، تضم القوى والأحزاب السياسية الرئيسية، بغض النظر عن الاختلافات بينها، في المنطلقات والمواقف السياسية.

كان التيار الوطني الحر يطرح نفسه الأكثر تمثيلاً في الساحة المسيحية، وبالتالي يطالب بحصة مميزة من الحقائب الوزارية، ويحرص أن يكون في عدادها وزارة سيادية، أو ما يعادلها حيث أصبحت وزارة الطاقة، فجأة، أهم من الوزارات السيادية التقليدية، وكادت وزارة الاتصالات تلحق بها، نظراً لحجم الأموال التي تجنيها شبكتا الخليوي، بإشراف ووصاية وزارة الاتصالات!

وكان من المؤمل أن تلعب القوة الحزبية الرئيسية على الساحة الرئيسية، دوراً فاعلاً في تعزيز الجبهة الداخلية، وفي التصدّي للحساسيات الطائفية، والمساهمة بقوة في تغليب مشروع الدولة على نفوذ الدويلات الحزبية والطائفية والمذهبية.

ولا يدري، كثير من اللبنانيين، عن الأسباب التي دفعت التيار الوطني الحر ورئيسه المؤسس العماد ميشال عون، وخليفته صهره من بعده، إلى انتهاج سياسة الخصومة والمشاغبة على الأحزاب والطوائف الأخرى، مكتفين بالتحالف مع «حزب الله» عبر ورقة التفاهم الشهيرة، وشاهرين سيوف العداوة والبغضاء مع القوى الإسلامية والمسيحية الأخرى، بدءاً من «القوات اللبنانية»، وصولاً إلى تيار المستقبل والطائفة السنية!

وحوّلت المزايدات والرغبة في الاستئثار بالتمثيل المسيحي مشاركة التيار في الحكومات المتعاقبة، إلى سلسلة من العقد، كانت معالجة كل واحدة منها تستغرق شهوراً، وكان محور معظمها الصهر المدلل جبران باسيل، مرّة في تجاوز سقوطه في الانتخابات النيابية والإصرار على توزيره، ومرّات أخرى في التمسّك بحقيبتي الطاقة والاتصالات!

وعندما دقت أجراس الاستحقاق الرئاسي، بلغت سياسة الاستفزاز ذروتها، عندما لجأ التيار العوني إلى أسلوب التعطيل، بعدما أيقن عدم قدرة رئيسه المؤسس على الوصول إلى قصر بعبدا، متجاوزين الشعار المعروف عن الجنرال: «أنا… أو لا أحد!» إلى ما هو أكثر خطورة: «عون رئيساً للجمهورية، أو لا رئيس ولا جمهورية!».

وتحاول قيادة التيار الجبرانية أن تتعاطى مع الأزمة الحكومية الأخيرة، وكأنها صاحبة الحق باتخاذ القرار عن بقية الأفرقاء المسيحيين، وما على الآخرين إلا الانصياع لمقتضيات الفيتو العوني، بحجة مراعاة الأعراف الميثاقية.. وما أدراك ما الميثاقية، عندما تتحوّل إلى قميص عثمان لتبرير الانتهاكات الدستورية!

* * *

مِن موقع الحرص على هذا المكوّن المسيحي الوازن في المعادلة السياسية، يعتبر كثير من اللبنانيين أنه حان وقت العودة الى لغة التعقل والتبصّر، بل والتواضع، في التعاطي بالشأن الوطني، والاعتراف بحق الاختلاف مع الآخر، خاصة وأن «الآخر» يحاول البحث عن القواسم المشتركة مع التيار، وحيث لا أحد يعمل على تجاهله أو تجاوزه، بعيداً عن المغالاة في الرهان على الوصول إلى قصر بعبدا، هذا الرهان المتوتر الذي ساهم بانحراف بوصلة الرابية عن المسار الوطني الجامع!