Site icon IMLebanon

مصالح المستقبل والقوات والتيار التقت على تطيير «الفرعية»

بحسب المادة 41 من الدُستور اللبناني، «إذا خلا مقعد في المجلس يجب الشروع في إنتخاب الخلف خلال شهرين، على أن لا تتجاوز نيابة العُضو الجديد أجل نيابة العُضو القديم الذي يحلّ محلّه. أمّا إذا خلا المقعد في المجلس قبل إنتهاء عهد نيابته بأقلّ من ستة أشهر فلا يُعمد إلى إنتخاب خلف». وهذا الأمر لم يحصل حتى تاريخه، على الرغم من شغور ثلاثة مقاعد نيابيّة منذ أشهر طويلة، وهي على التوالي: المقعد الأرثوذكسي في طرابلس الذي شغر بإستقالة النائب روبير فاضل في 30 أيار 2016، والمقعد الماروني في كسروان والذي شغر بانتخاب النائب العماد ميشال عون رئيسًا للجمهوريّة اللبنانيّة في 31 تشرين الأوّل 2016، والمقعد العلوي في طرابلس أيضًا والذي شغر بوفاة النائب بدر ونّوس في 5 كانون الثاني 2017. فهل ستحصل الإنتخابات الفرعيّة في المُستقبل القريب، أم أنّ هناك توافقًا من تحت الطاولة لتطييرها بين مجموعة من القوى السياسيّة الفاعلة؟

بحسب إحدى المرجعيّات القانونيّة والدُستوريّة، إنّ المهلة الأخيرة لدعوة الهيئات الناخبة للإنتخابات الفرعيّة في كل من طرابلس وكسروان هي الخميس 17 آب الحالي كحدّ أقصى، باعتبار أنّه يجب منح التحضيرات اللوجستيّة للإنتخابات ولمهل الترشيح الوقت الكافي قبل تنظيم الإنتخابات، والإبقاء أيضًا على فترة ستة أشهر كاملة للولاية النيابيّة، مع التذكير بأنّ أيّار 2018 هو الموعد المُفترض للانتخابات النيابية العامة وفق القانون الجديد. وأضافت هذه المرجعيّة، حتى لو أخذنا بآراء دستوريّة أخرى، لا تعتبر موعد 17 الشهر الحالي كمهلة نهائية، فإنّ دعوة الهيئات الناخبة يجب أن تتمّ في القريب العاجل، وإلا ستفقد الإنتخابات الفرعيّة جدواها في كل الأحوال.

وعن أسباب مُحاولات السُلطة السياسيّة التهرّب من دورها ومخالفة الدُستور، وكذلك عن أسباب عدم إضطلاع وزارة الداخلية بواجباتها وبالمهمّات المَنوطة بها في مثل هذه الحال، رأت أوساط سياسيّة مُطلعة أنّه يوجد توافق من تحت الطاولة لتطيير الإنتخابات النيابيّة بين عدد من القوى السياسيّة الأساسيّة، لأسباب مُختلفة تمامًا لكل منها، في مُقابل عدم وُجود أي حماس كبير من جانب باقي القوى للمقاعد الشاغرة المَعنيّة، مع بعض الإستثناءات المحدودة. وأوضحت أنّه بالنسبة إلى معركة المقعد الماروني في كسروان، كانت «القوات اللبنانيّة» تُفضّل لو يتم ملء المقعد الشاغر بالتزكية، على أن يقوم «التيّار الوطني الحُرّ» باختيار الإسم الذي يُريده لهذا المنصب الذي كان يشغره العماد عون. وأضافت الأوساط نفسها أنّ ما عرقل هذا التوجّه هو دخول مجموعة من المرشحين إلى المنصب النيابي على الخط، وفي طليعتهم النائب السابق فريد هيكل الخازن الذي قرّر الدُخول إلى المعركة من موقع التحدّي، على الرغم من معرفته بأنّ «التيّار» سيتبنّى ترشيح العميد المُتقاعد شامل روكز للمعركة، من دون أن يُستبعد دخول الوزير السابق زياد بارود المعركة أيضًا.

ولفتت الأوساط السياسيّة المُطلعة نفسها إلى أنّ هذا التوجّه أعاد خلط الأوراق، ووضع كل من حزب «القوّات» وقيادة «التيّار» في موقف حرج جدًا، لأنّ «القوّات» لا تريد دعم الخازن ضُدّ روكز تجنّبًا لمعركة قبل أوانها مع «التيّار»، ولأنّها تريد تحجيم الخازن وليس تقويته، خاصة وأنّها ستكون داعمة للائحة مُناهضة لهذا الأخير في الإنتخابات النيابيّة العامة المُقبلة، بينما تتحضّر أحزاب «الكتائب» و«الإحرار» و«المردة» لدعم أي مُرشّح سيُواجه «القوّات» أو «التيار» أو الإثنين معًا، في معركة إثبات وجود وانتقام من الاستبعاد. وأضافت أنّ «القوات» لا تريد أيضًا دعم أحد المُرشّحين من قبلها، وكشف كل أوراقها وتحالفاتها من اليوم، في معركة فرعيّة لا تُقدّم ولا تُؤخّر ولولاية نيابيّة بسقف زمني محدود، خاصة وأنّ المعركة قاسية جدًا، وهي ستترك آثارًا قاتلة على آراء وتوجّهات الناخبين عشيّة الإنتخابات النيابية العامة، وفي الوقت نفسه لا تريد «القوات» إخلاء الساحة والخروج من المنافسة، والظهور وكأنّ لا دور ولا كلمة لها في كسروان، أو دعم العميد روكز بشكل مجاني ليس له أي فائدة مُستقبلاً!

وكشفت الأوساط السياسيّة نفسها أنّ قيادة «التيّار الوطني الحُرّ» كانت تُفضّل من جهتها أن يتمّ التوافق على إنتخاب العميد روكز بالتزكية، وأن لا تكون مُضطرّة للدخول في معركة لا مجال أمام «التيّار» سوى ربحها بفارق مريح، إذا أراد الإحتفاظ بكلمته وهيبته في كسروان عشيّة الإنتخابات المقبلة، وفي الوقت نفسه لا تريد زيادة نُفوذ قائد فوج المغاوير السابق بشكل لا يعود من المُمكن السيطرة عليه، خاصة وأنّ العميد روكز يترشّح من خارج الهيكليّة الحزبيّة التنظيميّة للتيّار، وطموحاته المُستقبليّة كبيرة وتختلف عن طموحات المُنتسبين مباشرة إلى «التيّار»، لا سيّما أولئك في المواقع القياديّة.

وبالنسبة إلى الإنتخابات الفرعيّة في طرابلس، ذكّرت الأوساط السياسيّة المُطلعة بأنّها تدور على المقعدين العلوي والأرثوذكسي، علمًا أنّ الكلمة الحاسمة فيهما هي للناخبين السُنّة، طالما أنّ الإنتخابات ستجري هذه المرّة أيضًا وفق مبدأ التصويت الأكثري وليس النسبي. وبالتالي، لا يُحبّذ «تيّار المُستقبل» الدخول في هذه المعركة الفرعيّة في المرحلة الراهنة – أضافت الأوساط نفسها، وذلك لصُعوبة تجييش مُناصريه على مقعدين لا يُمثّلون السنّة بشكل مُباشر، وخوفًا من تكرار مشهد الإنتخابات البلدية لجهة حُصول مفاجآت في إتجاهات الناخبين، لصالح خُصوم «المُستقبل» الجُدد مثل مدير عام قوى الأمن الداخلي السابق، اللواء أشرف ريفي، أو القُدامى مثل رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، والنائب  محمد الصفدي، والوزير السابق فيصل كرامي، وغيرهم من الشخصيّات. وتابعت أنّه من هذا المنطلق، يجد «تيّار المُستقبل» نفسه في موقع حرج أيضًا بين خيار الإنسحاب وإخلاء الساحة للخُصوم، وخيار خوض معركة غير مَضمونة النتائج يُمكن أن يكون لها إنعكاسات سلبيّة مُؤذية جدًا على موقعه التفاوضي عشيّة الانتخابات النيابيّة العامة في أيّار المقبل، في حال تعرّضه لهزيمة في الإنتخابات الفرعيّة.

وختمت الأوساط السياسيّة المُطلعة كلامها بالتأكيد أنّ جزءًا من السُلطة السياسيّة يسعى إلى المُماطلة في موضوع الإنتخابات الفرعيّة، تمهيدًا لسقوط المهل، وبالتالي لسقوط هذه الانتخابات، في ظلّ عدم رفع باقي القوى الصوت عاليًا للتقيّد بالدستور.