ترى مصادر ديبلوماسية واسعة الإطلاع، أن العمل الأميركي المستمر بكل الوسائل للحدّ من النفوذ الإيراني في المنطقة، سينسحب على السياسة الأميركية المتوقعة تجاه سوريا، والتي لم يتم وضع تصور نهائي حولها، إنما تكاد بعض المؤشرات تظهر من خلال مواقف معينة.
والإدارة الأميركية، لن تقبل بدور لـ «حزب الله» في سوريا، أو لإيران، أو بانتصار النظام، وبعدم وجود حل سياسي، أو بعدم وجود ما يحدّ من دور النظام.
وتلفت المصادر إلى أن ذلك يؤشر إلى دور أميركي جديد في المرحلة المقبلة، كما أن التعامل مع موضوع الرقة في سوريا بعد خروج «داعش» منها، وكذلك من سيتولى السلطة على شرق سوريا، هما مؤشران إلى مرحلة جديدة. ثم أن زيارة وزير خليجي بارز للرقة كانت لافتة. فإذا تسلّم المجلس المحلي للأكراد السلطة هناك، فإن العشائر العربية لن تكون راضية. وقد يتم التفاهم على مجلس ذي تأثير تركي، لا سيما وأن السنّة هناك لن يقبلوا بحكم كردي. والناس ستعود إلى الرقة والاميركيون سيموّلون قطاعات حياتية مطلوبة للعيش، وهذا ليس عملية إعادة إعمار إنما تأمين مستلزمات أساسية للحياة مثل المستشفيات وغيرها.
والأكراد لديهم إتصالات مع النظام، وثمة تخوف من أن يسلّموا الرقة له، ولكنها لن تسلّم للنظام. يوجد سباق على تسلّم مناطق «داعش» من أكثر من طرف. وبالتالي، هناك مؤشرات أن يتسلّم الاميركيون الرقة. فكل طرف حالياً يقوم بالتموضع للسيطرة على مناطق «داعش»، وهذا الواقع، مضافاً الى مناطق التهدئة الأربعة، قد يؤدي إلى مرحلة تحضيرية للمفاوضات السلمية بين السوريين لإيجاد حل.
لكن المصادر، تعتبر أن الموقف الروسي غير واضح لا بل إنه متناقض في الإشارات التي يحملها. ولا سيما وأن الروس بدأوا يتحدثون عن المجالس المحلية في سوريا. لذلك لا تستبعد المصادر، أن يطرح الروس تصوراً جديداً للحل عبر مسار جديد مستفيدين أولاً من استانة، وهم يدركون جيداً أنه يصعب عليهم طرح تصور جديد عبر مفاوضات جنيف. والسؤال كيف ستُدرج استانة بإطار جنيف، وهم الآن يطرحون مؤتمراً للشعب السوري ينعقد هذا الشهر؟.
عندما ينتهي «داعش» ستكون هناك محاولات جدية من واشنطن لإظهار استراتيجيتها تجاه إيران في سوريا، وبعد السباق الحاصل على الأرض لإعادة التموضع. والنظام الذي يعتبر نفسه منتصراً قد لا يكون راغباً في الدخول في عملية سلام جدية، إلا إذا توافر الضغط الروسي الحقيقي عليه في هذا الإتجاه. الإشارات الروسية لا تزال غير واضحة ومتناقضة، ولا يلبث الغرب أن يكتشف التناقض بعد أن يكون قد صدقها. فإذا كانت المرحلة المقبلة ايجابية وتحمل شيئاً جديداً، يكون هناك أفق للحل، والا فالوضع السوري سيراوح مكانه لمدة طويلة.
ومن ناحية أخرى، هناك جهود عربية لتوحيد المعارضة السورية. لكن هناك خلافات كبيرة خصوصاً حول مصير رأس النظام.
وتعتقد مصادر ديبلوماسية قريبة من موسكو، أن دولاً عربية أساسية باتت تعترف بالدور الروسي الحيوي في سوريا في هذه المرحلة، وتقتنع به.
وتقول هذه المصادر، أن روسيا تمسك خيوط اللعبة عبر مؤتمر استانة وعملية التفاهم حول مناطق خفض التصعيد.
ويتخلل ذلك التنسيق مع الولايات المتحدة حول مناطق الجنوب السوري، ومع كل من تركيا وإيران حول مناطق الشمال والشرق السوري.
والدول العربية باتت أكثر تفهماً للموقف الروسي وضرورة التنسيق مع موسكو، وفي الوقت نفسه تحرص هذه الدول على العلاقات التي تربطها بالولايات المتحدة، والتي مهما كانت العلاقة مع الروس، لن تصل إلى حد مرحلة التوازن مع واشنطن.
لكن العلاقة العربية مع روسيا، تشكل جزءًا من التوازن والتنويع في المصادر الإقتصادية والعسكرية من خلال الإتفاقيات التي توقّع. وهذه العلاقة تنامت مع إستمرار مرحلة الوقت الضائع، الذي يفصل عن بلورة التسوية النهائية للأزمة السورية والتي ستحدد مستقبل سوريا، بالتنسيق والتعاون بين واشنطن وموسكو. هذا طبعاً بعد أن تكون الإدارة الأميركية انجزت دراستها للملف السوري وحددت سياستها حياله، مع الأخذ بالإعتبار وجود القوى الأخرى في المنطقة لا سيما الدول العربية.
وكذلك الأخذ بالإعتبار مصالح إسرائيل وأمنها والحرص الأميركي الروسي المتساوي عليها، وعندها سيتحدد مصير رأس النظام بشار الأسد. إنما ليس هناك من توقيت واضح لذلك، والامر يبقى رهن تطور العلاقات الأميركية – الروسية والتفاهم بين البلدين وتقاطع مصالحهما.
ومن المؤكد أن موعد إستئناف مؤتمر جنيف للتفاوض السوري سيتحدد بعيد مؤتمر استانة. وتقول المصادر، أن الولايات المتحدة أيضاً تقر بالدور الروسي، وروسيا تقر بالدور الأميركي لناحية الموافقة على الحل النهائي، وتتلاقى مصالح الدولتين في مسألة حفظ أمن إسرائيل.
ودور الولايات المتحدة في الرقة يقابله الدور الروسي في معظم المناطق السورية الأخرى. مع الإشارة إلى أن الوضع السوري معقد جداً، وإن الروس يتوقعون إنتهاء الأعمال العسكرية في أقل من سنة، أي بالمفهوم التقليدي، بحيث لن تكون بعد ذلك جبهات مفتوحة.