السؤال المطروح اليوم «هل يمكن التفاهم مع «حزب الله» حول سياسة خارجية تريح البلد، وتخفف التشنج، في ضوء موقف الخليج منه، وحول ما يمكن فعله من أجل أن تتغير المواقف الخليجية؟
تستبعد مصادر سياسية بارزة، أن يحصل مثل هذا النوع من التفاهم، إذ ان الموقف تجاه الخليج من جانب الحزب يعتبر جزءاً من ارتباطه الاقليمي ومشروعه السياسي، وبالتالي أي تغيير ليس وارداً. لكن مصادر أخرى تلاحظ أن لبنان بعد موقف الخليج بات يدعم المواقف العربية في الاجتماعات الوزارية العربية بالكامل وفق تفاهم داخلي، باستثناء ما يتصل بتوصيف الحزب بالإرهابي.
وتقول مصادر ديبلوماسية، انه دائماً كان في الخليج ثلاثة تيارات بالنسبة الى العلاقة مع إيران، راعية الحزب الأول يقول بالتفاوض معها، والثاني يقول بالمواجهة، والثالث يقول بضرورة عدم الاستسلام وفي الوقت نفسه عدم اللجوء الى الحرب، انما التفاوض حول تقاسم مناطق النفوذ. وعندها كل طرف يكون مدركاً لحدوده، والخليج كان دائماً يعبر أن الأمة يجب أن لا تنقسم، ويجب إيجاد طريقة للتصالح.
عندما زار الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبد العزيز الرئيس السوري بشار الأسد ومن ثم أحضر الأسد الى لبنان، كان ذلك بهدف منع الخلاف الداخلي ومن أجل التسامح وعدم اللجوء الى الخلافات لحل المشاكل. تبع ذلك زيارة الرئيس سعد الحريري الى دمشق، ثم الى إيران.
وبعد التدخلات الإيرانية في المنطقة، غلب الرأي على أن المواجهة هي الأفضل وان لا حل غير ذلك. فكان أن المواجهة حصلت في البحرين من خلال درع الجزيرة، وفي اليمن غلبت ردة الفعل العسكرية، ودعم المعارضة في سوريا والتفكير بالانخراط عسكرياً، إن جواً أو برا، تعزو المصادر، التوتر الحاصل الى أن الديبلوماسية لم توصل الى النتيجة المرجوة. وجاء الوقت الذي شعر به الخليج أن المعادلة في لبنان يجب أن تكون مختلفة. بعد ذلك نتج عن مواقف الأفرقاء اللبنانيين المعنيين، ما يؤكد أهمية الإبقاء على خيط التواصل وعلى الاستقرار. فالرئيس الحريري أبقى على الحوار مع «حزب الله»، والأمين العام لـ»الحزب» قال ان الأمن في الداخل سيبقى قائماً وممسوكاً، وأن لا مؤتمر تأسيسياً. إنما في الخارج سيبقى الحزب ملتزماً. أي انه في الداخل لن يكون هناك مشكلة لا أمنياً ولا سياسياً. ولن يكون هناك تغيير في الطائف.
إذا، خيط الحوار سيبقى موجوداً، إنما بحسب المصادر، يمكن أن يوصل الى وضع أفضل في حالتين إن توافرتا: الأولى، استعادة التفاوض السعودي الايراني والثانية: إذا أدى التفاهم الأميركي الروسي في سوريا الى حل ما ضمن مشاركة كل الدول الاقليمية به. الأمر الذي يريح الوضع اللبناني.
ويبدو ان التوجه الداخلي هو أن تبقى الأمور مضبوطة، إلا أن السؤال يبقى «هل تعني التهدئة وجود توازن؟».
من الصعب ذلك، فالتوازن يبحث في الحوار القائم على كل المستويات.
إذا فشل اتفاق وقف النار في سوريا وحصل مجدداً تصعيد، من المتوقع أن يتوتر الجو الداخلي اللبناني، والعكس صحيح. وهذا ينطبق أيضاً على ما إذا سيحصل تفاهم أميركي روسي حول سوريا أم لا.
وتفيد المصادر، ان طاولة الحوار هي خيط مهم من أجل التهدئة، إنما منع تأثير الضغوط الاقليمية على لبنان، يحتاج الى عمل ديبلوماسي دؤوب، لاستمرارية هذا الخيط، وللإبقاء على الحوار مفتوحاً. فمن سيتفهم مَنْ، وضمن أي حدود وأي أطر؟ ففي هذه المرحلة الصعبة إقليمياً يفترض أن يعرف لبنان كيف يحافظ على استقراره، لأن البديل عن درء مخاطر الانزلاق الى الفتنة هو العنف.
وهذا التوجه، يبدو أن كل الأطراف تعي أهميته وتدرك طريقة الحفاظ عليه، حتى لو لم يصل الأمر الى حل مشكلة الملف الرئاسي.
إذا حصلت وساطات عُمانية لإيجاد تسوية للوضع الاقليمي المتدهور، أو إذا أعطت الاتصالات الأميركية الروسية دينامية حل، من شأن ذلك أن يفيد الوضع اللبناني.
وتؤكد المصادر، ان لا مظلة مطلقة دولية اقليمية تحمي لبنان، أي ان المظلة القائمة ليست حديدية وليست دائمة وأبدية، بحيث لا يمكن اختراقها. ما يساهم في الاستقرار اللبناني، عوامل عديدة أبرزها، ان ليس هناك من رغبة داخلية في التقاتل، وان ليس من طرف مظلوم من جراء «اتفاق الطائف» على الرغم من أنه في الوقت نفسه، لم يرضِ، العديد من الأطراف حتى النهاية. ثم ان ليس هناك من تحريض خارجي لحصول حرب في لبنان، ولا من عمليات تسليح لأطراف من أجل ذلك. فضلاً عن أن هناك تفاهماً أميركياً روسياً حول التهدئة في لبنان.
حتى أن الملف الرئاسي الذي إذا وجد طريقه الى الحل عبر السعي لتوفير نصاب لجلسة الانتخاب، يحتاج الى نشاط ديبلوماسي مع كل الأطراف في الخارج. إذ لا يمكن استثناء أطراف لبنانية من تأمين الاستحقاق الرئاسي، حيث أن كل الأمور في لبنان تتم بالتفاهم والتوافق. واستثناء الحزب تحديداً سيكون صعباً، لذلك المسألة تحتاج فعلاً الى عمل ديبلوماسي وتحرك. أي ان حصل اختراق داخلي، يفرض أن لا تقتصر الأمور على ردود الفعل.
الحوار يخفف الاحتقان في الشارع لأنه في هذه المرحلة يفترض التهدئة قدر الإمكان وفقاً للمصادر.