الأجندة الدولية لا تلحظ في أي سطر من سطورها الإستحقاق الرئاسي في لبنان
والتطورات المنتظرة في المشهد الإقليمي توحي بأننا مقبلون على تعقيدات سياسية متزايدة
ما يُقال في الصالونات وعبر وسائل الإعلام عن قرب انتخاب رئيس هو تمنيات غير مبنيّة على أية معطيات
مَنْ يرصد الكلام الذي يقوله الرئيس تمام سلام في مجالسه الخاصة عن معاناته والمرارة التي يشعر بها نتيجة العمل الحكومي غير المُرضي بالنسبة له، يُدرك تمام الإدراك بأن مكوّنات هذه الحكومة يعملون على قاعدة المساكنة المفروضة عليهم، أو على طريقة زواج المساكنة لعدم وجود بديل في الوقت الحاضر، ولكون الظروف لا تسمح باستقالة الحكومة وتأليف أخرى في ظل الفراغ الرئاسي الموجود، ناهيك عن أن الأجندة الإقليمية والدولية لا تلحظ في أي سطر من سطورها الوضع اللبناني، وهو ما يعني بأننا سنكون أمام مرحلة طويلة من اللااستقرار وعدم التوازن السياسي، الذي بدأ يتظهّر إلى العلن وبشكل فعلي وحسّي من خلال الموقف المتقدّم لحزب الكتائب والذي سيكون له تداعياته ليس على مستوى العمل الحكومي وحسب بل على المستوى اللبناني من كافة جوانبه، سيّما وأنه لا يوجد حتى هذه اللحظة أية نسمة إيجابية في الواقع السياسي تؤشّر إلى إمكانية إعادة ترتيب البيت الداخلي إن بانتخاب رئيس للجمهورية، أو إنتاج قانون جديد للإنتخابات لا في تموز ولا في آب كما يحاول البعض الإيحاء به، فالوضع اللبناني كما بات يعرف القاصي والداني ما زال مرتبطاً بالتطورات السورية وأن ما هو منتظر من هذه التطورات لا يشجّع على القول بأننا نقترب من مرحلة الحلول للأزمة في لبنان، بل العكس إذ أن كل المعطيات تؤكّد بأننا مقبلون على تعقيدات متزايدة في المشهد السياسي، وأن الوضع الأمني غير مريح على الرغم من التطمينات التي تُطلقها هذه الدولة أو تلك عبر القنوات الدبلوماسية للبنان.
وقد ثبت بما لا يدعو إلى الشك بأن الاستحقاق الرئاسي ما زال متفلتاً من أية ضوابط محلية أو إقليمية أو دولية، فلا الأميركي قادر على فرض رئيس للجمهورية، وكذلك الأمر بالنسبة للفرنسي وغيرهما من الدول الفاعلة على المستوى اللبناني، فالأميركي أقفل نوافذه على الخارج ليتفرّغ لانتخاباته الرئاسية في الخريف المقبل، والفرنسي يعيش حالة من القلق على الذات من تنامي العمل الارهابي على مساحة فرنسا وهو بالتالي لن يكون في مقدوره أن يلعب الدور المطلوب للمساعدة إلى انتخاب رئيس، وعلى المستوى الداخلي فإن أي طرف لبناني لا يملك القدرة على فرض رئيس حتى «حزب الله» في غير مقدوره أن يفرض العماد ميشال عون رئيساً وهذا الأمر من سابع المستحيلات أن يحصل في ظل الظروف الحالية.
وأمام هذا الواقع فإن ما يسرّب في وسائل الإعلام، وما يُقال في الصالونات السياسية عن اقتراب وضع نهاية للأزمة الرئاسية، لا يعدو كونه تمنيات غير مبنيّة على أية معطيات، مما يدفع إلى القول بأننا نعيش مرحلة اللعب في الوقت الضائع، وأن اللعبة طويلة وهي أقرب إلى متاهة لها مدخل وليس لديها مخرج، وهو ما يعني أن مَنّ يقول بقرب انتخاب رئيس فهو إما عابث أو يحاول الإيحاء بأن لديه معطيات يرمي من خلالها تحقيق هدف ما، أو اللعب بأعصاب الخصم، فلبنان ليس مهيّئاً بعد لخوض غمار الاستحقاق الرئاسي، والخارج ليس مهيّئاً لفرض رئيس أو المساهمة في إيصال رئيس إلى قصر بعبدا، وبالتالي فإن الفراغ الرئاسي والحال كذلك سيكون سقفه عالياً وأمده طويل.
وحيال هذا المشهد السلبي من الوضع السياسي من ألفه إلى يائه فإن مصادر سياسية متابعة لا ترى أي بصيص أمل في إحداث متغيّرات جوهرية على المستوى السياسي في وقت قريب، لا بل إنها ترى أن الساحة السياسية ستكون مع قابل الأيام أمام المزيد من التشنجات والتعقيدات والتي ربما يصل بها الأمر إلى حدّ الاشتباك السياسي بين هذا الفريق وذاك من دون إغفال المخاوف من حدوث تطورات أمنية وإن بشكل محدود نتيجة الاحتقان السياسي من جهة، وبفعل محاولة البعض من استغلال حالة اللاتوازن السياسي لتوتير الأجواء الأمنية وإبقاء لبنان في مربع الإرباك خصوصاً على المستوى الاقتصادي والسياحي الذي يعوّل عليهما لبنان في ما خصّ وضعه المالي الذي وصل إلى أدنى مستويات.
ولذا فإن هذه المصادر ترى أن استمرار التأزم السياسي سيدخل لبنان في آتون التوتر والقلائل وأن الأثمان ستكون باهظة بفعل ذلك، مستشهدة بمواقف تحذيرية يطلقها الرئيس نبيه برّي والتي كان آخرها بالأمس حيث طالب جميع الأطراف بالانتصار مجدداً لوحدة موقفهم وخطابهم، وعدم التسرّع والانجراف خلف المخططات المشبوهة التي تستهدف حاضر ومستقبل لبنان وصيغته الفريدة.
وباعتقاد المصادر ذاتها أن الرئيس برّي ما كان ليظهر هواجسه ومخاوفه لو لم يكن يملك معطيات تجعله يخاف مما هو آتٍ، ويحثّ الجميع على الوقوف أمام مسؤولياتهم في احتواء الوضع الحالي وعدم الذهاب في اتجاه خيارات لا تصبّ في مصلحة لبنان واللبنانيين في هذه الظروف الصعبة.