IMLebanon

المجتمع الدولي.. حليف السلطة!

 

 

يتحمّل المجتمع الدولي جزءاً أساسياً من الأزمة التي يعيشها لبنان، ومسؤوليته تكمن في ربطه المساعدات، التي البلد بأمّس الحاجة إليها للخروج من أزمته، بالإصلاحات التي على الحكومة تنفيذها، فيما الإصلاحات لن تتحقّق مع السلطة الممسكة بالقرار السياسي.

تحوّل المجتمع الدولي، عن غير قصد طبعاً، إلى حليف موضوعي لفريق السلطة، اي انّ عواصم القرار الغربية، التي يضع معظمها عقوبات على «حزب الله» والبعض منها عقوبات على الرمز الأساسي للعهد، والمقصود النائب جبران باسيل، تخدم بموقفها الذي يبدّي الحكومة على الانتخابات، فريق السلطة الذي يريد الحكومة ويرفض الانتخابات.

وقد يكون موقف المجتمع الدولي مفهوماً ومبرّراً منذ سنتين، ولكن بعد ان لمس بالتجربة انّ الإصلاحات غير ممكن تحقيقها عن طريق الحكومة، لأنّ المشكلة الفعلية ليست مع الحكومة، إنما مع الأكثرية التي تشكِّل الحكومات على شكلها وطريقتها وتصادر دورها وتمنعها من الإصلاحات، وبالتالي بعد ان لمس بالملموس ذلك، لم يعد مقبولاً ان يتمسّك بموقفه من دون ان يخضعه لمراجعة فعلية، خصوصاً انّ الرهان على حكومة تقوم بالإصلاحات المطلوبة لإخراج لبنان من أزمته أثبت فشله.

وحرص المجتمع الدولي على مساعدة اللبنانيين هو حرص صادق وغير قابل للتشكيك، والدليل المؤتمرات التي يعقدها ويخصّصها لهذا الأمر، من توفير المساعدات للشعب اللبناني، إلى توفيرها للجيش اللبناني، وما بينهما الدفع من أجل تأليف الحكومة، وليس تفصيلاً الاجتماعات التي تُعقد على هذا المستوى، منذ ما قبل اللقاء الفاتيكاني وما بعده، من جولات مكوكية ولقاءات أميركية وفرنسية وسعودية ومصرية وغيرها من الدول طبعاً، ولكن هذا الحرص الذي يُترجم بالمساعدات الموضعية واللقاءات المفتوحة التي وضعت لبنان في صلب الاهتمام الدولي، لم يؤدِ إلى فرملة الانهيار المتمادي والمتسارع.

وإذا كان المجتمع الدولي لا يستطيع ان يأخذ مكان الدولة اللبنانية ودورها في إقرار رزمة الإصلاحات المطلوبة التي تفتح باب المساعدات، وإذا كان الهدف من المساعدات التي يؤمّنها الحؤول دون الانفجار الاجتماعي بانتظار ان تكون الحكومة قد تشكلّت، إلّا انّ إصراره على عنوان الحكومة يجعله رغماً عنه شريكاً في الانهيار، كما يجعله خلافاً لإرادته شريكاً لفريق 8 آذار.

وقد حان الوقت لأن يعيد المجتمع الدولي النظر في سياساته حيال لبنان، وهذا إذا كان يريد فعلاً تجنيبه الانهيار، لأنّه في حال أبقى على أولوية الحكومة، فإنّ الانهيار سيتواصل فصولاً وصولاً للانفجار، وبمعزل إذا تشكّلت الحكومة أم لم تتشكّل، لأنّه لن يختلف الوضع في ظلّ وجود حكومة او من دونها، كونها لن تتمكن من تحقيق اي إصلاح يذكر على غرار الحكومة المستقيلة.

وعلى المجتمع الدولي الذي يتابع الوضع اللبناني بدقة، ان يأخذ في الاعتبار التجارب الفاشلة للفريق الحاكم التي أبقت لبنان في دائرة الخطر، والفشل لم يحصل عن طريق الصدفة او القدر، إنما سببه الفريق المُمسك بالقرار السياسي، وبالتالي، ما الفائدة والمصلحة من تكرار التجارب الفاشلة، خصوصاً انّ عامل الوقت يعمل ضدّ مصلحة لبنان واللبنانيين.

وفي حال تمسّك المجتمع الدولي بالمعادلة-اللازمة التي وضعها إصلاحات مقابل مساعدات، فيعني انّه سيكون أمام خيار من اثنين:
خيار التراجع عن هذه المعادلة مقابل توفير المساعدات للبنان، بغية تجنيبه السقوط المدوّي، فيما المساعدات التي يوفّرها اليوم، وعلى رغم كونها بالقطارة ومن دون شروط، ساهمت في تدعيم الوضعية السياسية الحالية، ما يعني انّه تحوّل إلى رافعة سياسية للسلطة الحالية التي ترفض الإصلاحات وتمنعها، كي لا تحدّ من سلطتها ونفوذها ودورها، وتكون هذه السلطة قد نجحت بوضع المجتمع الدولي أمام الأمر الواقع، وحافظت على مواقعها، من دون ان تُقدم على الإصلاحات المطلوبة منها.

خيار ترك البلد ينزلق نحو الفوضى والخراب وعدم الاستقرار وسقوط هيكل الدولة، لأنّه في حال تُركت الأمور على المنوال الحالي، فإنّ الارتطام الكبير سيكون محتماً، باعتبار انّ وتيرة الانهيار متسارعة جداً.

ويبدو انّ السلطة الحالية قد نجحت في جرّ المجتمع الدولي إلى التسليم بواقع مساعدة لبنان من دون ان تُقدم على الإصلاحات المطلوبة، كما التسليم بواقع استمرار هذه السلطة، فيما كان من الأجدى بهذا المجتمع ان يتخلّى عن معادلته التي أسقطتها السلطة، ولم يتمكّن من فرضها وترجمتها، وان يضع معادلة جديدة قوامها مساعدات مقابل انتخابات، لأنّه من المستغرب ان يواصل تمسُّكه بمعادلة قديمة أسقطتها الوقائع على الأرض، وأصبح تمسّكه بها يخدم السلطة لا لبنان ولا الشعب اللبناني.

فكل ما حصل ويحصل يندرج في سياق تضييع الوقت وهدره، في مسألة مجرِّبة ولا حاجة إلى المحاولة مجدداً، كون النتيجة ستكون نفسها، والمسألة ليست من قبيل الصدفة، وقد بدأت منذ 2 أيلول 2019 عندما دعا الدكتور سمير جعجع بوضوح في المؤتمر الاقتصادي في القصر الجمهوري إلى استقالة الحكومة وتأليف حكومة اختصاصيين مستقلين. وللتذكير، فإنّ الأوضاع المالية كانت ما زالت تحت السيطرة، وعندما استقال الرئيس سعد الحريري تمّ تأليف حكومة اختصاصيين ولكن غير مستقلّين برئاسة حسان دياب، وفشلت فشلاً ذريعاً في وقف الانهيار، ولم ينجح تكليف الدكتور مصطفى أديب في تأليف حكومة وفق المبادرة الفرنسية، على رغم الدعم غير المحدود الذي حظيت به من باريس، ولقي تكليف الحريري المصير نفسه مع فارق انّ أديب اعتذر فوراً بعدما أيقن استحالة إجراء الإصلاحات المطلوبة مع الفريق المُمسك بمفاصل القرار، خلافاً للحريري الذي هدر وقتاً ثميناً قبل ان يُدرك انّ تشكيل حكومة قادرة مع هذا الفريق مستحيلة.

فما الفائدة من تكرار التجارب الفاشلة، وما العبرة من الإصرار على التوجُّه نفسه، خصوصاً انّ النتيجة ستكون نفسها ولن تختلف عن التجارب التي سبقتها. ولا نتكلم هنا عن تجربة واحدة، إنما عن رزمة تجارب، ما يعني انّ مكمن المشكلة ليس في الحكومة، بل في الجهة التي تشكِّل الحكومة، والمستغرب انّ المجتمع الدولي لم يصل إلى هذه الخلاصة بعد، والتي أصبحت ثابتة وراسخة وغير قابلة للتأويل ولا النقض.

وفي حال لم ينتقل المجتمع الدولي فوراً إلى استبدال معادلة إصلاحات مقابل مساعدات عن طريق الحكومة، بمعادلة الانتخابات كمعبر أوحد للمساعدات، فإنّ المجتمع الدولي يكون إما في موقع الداعم لفريق 8 آذار، وإما مشجِّعاً على الانهيار الشامل، فيما هو ليس فعلياً في موقع الداعم للسلطة ولا المشجِّع للانهيار، إنما المشكلة الفعلية تكمن في النمط الدولي القائم الذي يفتقد إلى 3 مقومات أساسية: السرعة في التحرُّك، القرارات الحازمة، الفعالية في التنفيذ.