Site icon IMLebanon

أول المطبّات: المجتمع الدولي يسأل عن التموضع السياسي للحكومة و«النأي بالنفس»

 

صورتها التجميلية والثقافة الغربية لغالبية وزرائها لا تلغي حقيقة أنها حكومة «حزب الله»

 

 

الإصلاحات في الصميم ستطال الشريان الحيوي لمحور إيران… والحكومة عاجزة عن تنفيذ الإصلاح بالمنظور الغربي

 

أَسقَطَ رئيس الحكومة حسّان دياب على حكومته صفة «حكومة الإنقاذ» ذات مهمة واحدة وحيدة هي وقف الانهيار المالي والاقتصادي في البلاد، يعززها وجود وزراء اختصاصيين، قال إنهم «لا يقيمون حساباً إلا للغة العلم والمنطق والخبرة». يقارب دياب التحديات التي تنتظره من زوايا بعيدة عن السياسة، في إيحاء بأن السياسة لن تكون حاضرة على طاولته. هي بداية تشي بكثير من التسطيح حين يتم التعاطي مع الأزمة على أنها أزمة اقتصادية – مالية خالصة، ليس لها مسببات سياسية آلت إلى انكشاف لبنان الكليّ. والسير في مسار تجاهل أسباب المأزق الذي دخلت فيه البلاد نتيجة الخيارات السياسية الخاطئة، في لحظة إقليمية دقيقة ومفصلية، سيكون وصفة الفشل المدوي. وسيجد رئيس الحكومة أن الالتفاف على الوقائع الحاكمة والتعامي عنها في لعبة تجميلية لن يفضيا إلى تغيير النظرة إليها.

 

فتقديم حكومة اختصاصيين يوصفون بأنهم آتون من ثقافات غربية، وتحديداً أميركية وتطعيمها بوجوه نسائية على كثير من الانفتاح، لا يلغي حقيقة صارخة بأنها في المضمون حكومة «حزب الله»، وإن بدت في ظاهرها على غير ثقافته ومفاهيمه وعقيدته، خصوصاً في ما يخص الصورة التي أُريد إرسالها. فيوم كُـلّف، خرج الإعلام الغربي ليصفه بأنه الرئيس المكلف من محور «حزب الله». وحين تشكلت الحكومة نعتها الإعلام نفسه بأنها حكومة «حزب الله» أو المدعومة منه. وهذا لا شك يعكس إلى حد كبير، النظرة التي ينطلق منها الخارج في تعاطيه مع «حكومة اللون الواحد» والمظلة السياسية لها.

 

وإذا قُدِّر للحكومة أن تنال الثقة – وهي مؤمنة لها عددياً بفعل إمساك محور «8 آذار» وتيار عون بالأكثرية – سيتم التعامل معها على أنها الحكومة القائمة في البلاد، الشرعية دستورياً ما دامت منبثقة من مجلس نيابي مُنتخب، وإن كانت نهائية هذه المُسَلَّمة مرتبطة بمآل الثورة وآفاقها ومستقبلها ومدى قدرتها على الصمود وتطوير حركتها الاحتجاجية وأنماط عملها. فتشكيل الحكومة كان مطلباً دولياً، وقياس معيار نجاحها وفشلها مرتبط بكيفية تعامل الخارج معها، من المحيط العربي وخصوصاً الخليج إلى الأوروبيين والأميركيين، والمنظمات الدولية، أصحاب الحل والربط في مسيرة إخراج لبنان من انهياره الحتمي.

 

فالامتحان هنا، وسيكون أصعب كثيراً على حكومة «اللون الواحد» مما كان عليه يوم كان حلفاء أصحاب الحل والربط يغطون «حزب الله» في حكومات «التوافق الوطني». فرغم الانفتاح على حكومتي سعد الحريري بعد التسوية الرئاسية، والدعم الذي قدَّمته مجموعة الدعم الدولية للبنان، والذي تُرجم في مؤتمر «سيدر»، فإن لبنان لم ينجح في الخروج من الحصار الاقتصادي المفروض عليه، بعدما أخفق في تلبية الشروط التي وَعَـدَ بتنفيذها، والتي لا ترتبط فقط بإصلاحات بنيوية في الإطار الإداري والاقتصادي والمالي وما يتطلبه ذلك من شفافية وحوكمة وتشريعيات واستقلالية قضاء، بل أيضاً بإصلاحات سياسية عُبِّر عنها بـ «سياسة النأي بالنفس» وضرورة الحوار في ما خص «الاستراتيجية الدفاعية»، وهو التعبير المُلطّف لبحث موضوع «سلاح حزب الله».

 

فهذه الإصلاحات لا يزال مطلوباً من الحكومة الحالية القيام بها من أجل نيل دعم المجتمع الدولي، ومدّ يد الإنقاذ للبنان. وقد بدت جليّة في كلام الخارجية الفرنسية أمس، رغم حماسة باريس تجاه مساعدة اللبنانيين، كما بدت أيضاً في موقف سفير الاتحاد الأوروبي بعد زيارته دياب، حيث كانت الإشارة واضحة إلى ضرورة النأي بالنفس عن الأزمات الراهنة في سياق التوترات الإقليمية وتموضع لبنان السياسي.

 

هذا الواقع يطرح تساؤلاً مشروعاً عما يمكن أن تقوم به حكومة دياب، في ظل التداخل الطبيعي بين ما هو سياسي واقتصادي. فحتى لو تمّ التسليم بأن هناك ملفات محددة يمكن فصلها عن الشروط السياسية، مثل موضوع الكهرباء الذي يُرهق ميزانية الدولة، فإن عمق الأزمة لم تعد تنفع معه المعالجات الجزئية على أهميتها، وباتت تتطلب معالجة شاملة على مختلف المستويات الاقتصادية – المالية من الصعب تحقيقها، ذلك أنها ستصيب في الصميم ليس فقط منظومة الفساد الظاهر، بل منظومة المصالح الفعلية لـ«حزب الله» المرتبطة ارتباطاً مباشراً بالحفاظ على الشريان الحيوي له والالتفاف على العقوبات سواء عليه وعلى نظام حليفه في سوريا أو راعيه الإيراني، فأي إصلاحات مطلوبة لا بد لها أن تطال التهريب على المعابر الحدودية والمرافئ والتهرب الضريبي الذي أضعف الواردات إلى الدولة، وساهم في ضرب الدورة الاقتصادية، ويتطلب سد الثُغر التي ينفذ منها «الحزب» في عملية غسل الأموال، وتضييق الخناق عليه مالياً الذي هو تحت المجهر الأميركي من أجل تجفيف مصادره المالية.

 

فالتحديات الجاثمة على صدر اللبنانيين لا يمكن أن تحلها حكومة اختصاصيين، ذلك أن مدخلها ليس اقتصادياً بل سياسي بامتياز. ولا تؤشر تطورات المنطقة إلى أن ثمة اتجاهاً لتليين الموقف الأميركي حيال لبنان، فكيفي أن يقول وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بأن الاحتجاجات التي تجري اليوم في لبنان تقول لـ«حزب الله» كفى، ليتبين أن إدارة دونالد ترامب الماضية في الضغط على إيران وأذرعها العسكرية وذراعها الأهم «حزب الله» لن تمد حبل النجاة له في لبنان، ولن تعمل على تقديم الدعم للبنان، إلا لحكومة ملتزمة بالإصلاح «وإذا كانت هناك مجموعة جديدة من القادة المستعدين للوفاء بتلك الالتزامات»، ما يعني أنها لن تسمح لأحد من الحلفاء الأوروبيين والعرب بالمساعدة إلا وفق الشروط المطروحة. وواهم من يظن أن هذه الحكومة قادرة على الالتزام بهذا المفهوم للإصلاح، أو أن «حزب الله» يمكن أن يتماهى مع المطالب الدولية، أو أن حلفاءه يمكن أن يتخلوا عن مكتسباتهم في الفساد المقونن بشكل رضائي.